لا يغيـر الله ما بقـوم حتى يغيـروا ما بأنفسـهم

لا يغيـر الله ما بقـوم حتى يغيـروا ما بأنفسـهم
للشيخ عبد العزيز بن باز
س : ما تفسيـر قـول الحق تبارك وتعـالى في سـورة الرعـد : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ؟

ج : الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر ، ومن شر إلى خير ومن رخاء إلى شدة ، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط ، والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا قال سبحانه : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ)
وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ثم يؤخذون على غرة كما قال سبحانه : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني آيسون من كل خير ، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته ، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد كما قال سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) والمعنى أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت ، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة .

وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصي ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى وقد جاء في الآية الأخرى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وقد يمهلون كما تقدم والعكس كذلك إذا كانوا في سوء ومعاص ، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة ، غير تفرقهم إلى اجتماع ووئام ، وغير شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء ، وغير حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير .

ما هو الوسط في الدين ؟

للشيخ محمد بن صالح العثيمين
السؤال: ما المراد بالوسط في الدين ؟.

الجواب:

الحمد لله

الوسط في الدين أن لا يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله عز وجل ولا يقصر فيه فينقص مما حد الله -سبحانه وتعالى .

الوسط في الدين أن يتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم , والغلو في الدين أن يتجاوزها , والتقصير أن لا يبلغها .

مثل ذلك , رجل قال أنا أريد أن أقوم الليل ولا أنام كل الدهر, لأن الصلاة من أفضل العبادات فأحب أن أحيي الليل كله صلاة فنقول : هذا غالٍ في دين الله وليس على حق , وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا ، اجتمع نفر فقال بعضهم : أنا أقوم ولا أنام , وقال : الآخر أنا أصوم ولا أفطر, وقال الثالث أنا لا أتزوج النساء , فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أنا أصوم وأفطر , وأنام وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فهؤلاء غلو في الدين فتبرأ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم رغبوا عن سنته صلى الله عليه وسلم التي فيها صوم وإفطار , وقيام ونوم , وتزوج نساء .

أما المقصر : فهو الذي يقول لا حاجة لي بالتطوع فأنا لا أتطوع وآتي بالفريضة فقط , وربما أيضاً يقصر في الفرائض فهذا مقصرّ .

والمعتدل : هو الذي يتمشى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم , وخلفاؤه الراشدون .

مثال آخر : ثلاثة رجال أمامهم رجل فاسق , أحدهم قال : أنا لا أسلم على هذا الفاسق وأهجره وابتعد عنه ولا أكلمه .

والثاني يقول : أنا أمشي مع هذا الفاسق وأسلم عليه وأبش في وجهه وأدعوه عندي وأجيب دعوته وليس عندي إلا كرجل صالح .

والثالث يقول : هذا الفاسق أكرهه لفسقه وأحبه لإيمانه ولا أهجره إلا حيث يكون الهجر سبباً لإصلاحه , فإن لم يكن الهجر سبباً لإصلاحه بل كان سبباً لازدياده في فسقه فأنا لا أهجره.

فنقول الأول مُفرط غالٍٍ - من الغلو - والثاني مفرّط مقصّر , والثالث متوسط .

وهكذا نقول في سائر العبادات ومعاملات الخلق ، الناس فيها بين مقصر وغال ومتوسط .

ومثال ثالث : رجل كان أسيرا لامرأته توجهه حيث شاءت لا يردها عن إثم ولا يحثها على فضيلة , قد ملكت عقله وصارت هي القوامة عليه .

ورجل آخر عنده تعسف وتكبر وترفع على امرأته لا يبالي بها وكأنها عنده أقل من الخادم .

ورجل ثالث وسط يعاملها كما أمر الله ورسوله : ( وَلَهُنَّ مثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ 228 . ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كان كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر ) . فهذا الأخير متوسط والأول غالٍ في معاملة زوجته, والثاني مقصر. وقس على هذه بقية الأعمال والعبادات .

الزوجة الصالحة هي من نعم الله

الزوجة الصالحة هي من نعم الله على الإنسان

فقد وضح لنا نبينا عليه الصلاة والسلام على أي أساس تختار المرأة فأوضح أنها تختار إما لمالها وجمالها وحسبها ودينها

وفي النهاية أوضح وركز على أن من ينكح ذات الدين فقد تربت يداه وفاز

وقال عليه الصلاة والسلام ( الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة)



هل تسألتم لماذا الزوجة الصالحة اجمل مافي الدنيا حتى لو لم تكن جميلة أو ذات حسب ونسب ؟؟


ساوضح لكم الأمر............فالزوجة الصالحة تراقب الله في أسلوبها في التعامل معك

فإذا أغضبتها وغضبت تذكرت قوله تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )..........فعفت عنك ورضت إبتغاء لوجه الله .






وإذا نقصت في حقها فهي تصبر إبتغاء أجر الصابرين


وإذا طلبتها للفراش فهي لن تتمنع لإنها تخاف أن تلعنها الملائكة حتى تصبح

وهي لا تستطيع أن تبات غاضبة منك فهي تخاف أن تموت وتلقى الله وزوجها غاضب فتمد يدها تحت الفراش وتلمس يدك وتقول لاأذوق غمضاً حتى ترضى

وإذا خرجت وسافرت حفظتك في نفسها ومالها وولدها حفاظاً لحدود الله

وهي تتزين وتتلبس وتعتني بأناقتها وبتدليلك وبتجهيز ماتحب من مطعم ومشرب وتغنيك في نفسها بما تشتهيه ............كل ذلك بجانب حبها لك هو إبتغاءها وجه الله


وهي تقتصر في المال خشية أن تكون من المسرفين فهي غير متطلبة لإنها تفكر بما عند الله وماعند الله خيراً وأبقى

وهي ستكون عوناً لك في دينك تذكرك إذا نسيت وتشجعك إذا تكاسلت وتأخذ بيدك نحو القمة بهمة عالية لتبلغوا سوياً الجنة




فهي تحتسب كل شيء تفعله لوجه الله وإبتغاء جنة عرضها السموات والأرض




كم تبكي في نفسها حزناً على إيذاءك لمشاعرها ........وكم تبكي حرقة على إنها تود أن توقفك عند حدك...............ولكن لا يمنعها خوفاً أو جبن منك..........وولكن مايمنعها هو إحتسابها وصبرها وقولها في نفسها سأسامحه لوجه الله


وسبحان الله من ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه

فسبب تصرفاتها تلك يشعر الزوج بمحبة جارفة نحوها وهذا بفضل الله ونعمته عليها وهذا بداية الأجر في الدنيا قبل الأخرة


ولكن للأسف وأقولها بحرقة فعلاً للأسف :

هناك البعض ...........(قلنا البعض لكي لا تردوا رداً قاسياً) ...........البعض لايقدر تلك المرأة الصالحة فيعتبر سكوتها وحلمها ضعفاً فتراه لا يعمل لمشاعرها أدنى إعتبار

وتراه إذا فكر في شيء فإنه ينفذه ضارباً بعرض الحائط مشاعر زوجته........لسبب بسيط جداااااا وهو يقينه بأنها لن تغضب وإذا غضبت فسرعان ماتسامح فإرضاءها سهل المنال



وعلى النقيض من تلك الفئة:


هناك زوجات يفرضن على أزواجهن شخصيتهن فرضاً فتراه لا يخطو خطوة إلا بإذنها ولا يقدم على عمل إلا بعد أن يعمل لزوجته ألف حساب


ولايستطيع ان يرفض لها طلباً مهما كان ...........خوفاً منها وإتقاء لشر لسانها السليط



وترى الزوجة الصالحة تقول في نفسها .........هل أعمل مثل تلك الزوجة ليوقرني زوجي ويحترمني (مع العلم أنها تستطيع ذلك ولكن مايمنعها هو طلبها رضاء الله وإحتساب ماعنده)

وكلما ماحاولت تجد ضميرها المؤمن يذكرها بالأجر العظيم وبالجنة وبرضى الرحمن الرحيم ..........فيسمو قلبها المؤمن ويزاد سماحاً حين يزداد بعض الأزواج تمرداً


ولكن لا أعتقد أن الزوجة الصالحة سيسرها أن تفعل مثل تلك المرأة لإنها ترى بعينها أن مابين ذلك الزوج وزوجته من مشاعر وحب ليس كما بينها وبين زوجها


فترى الفتور والمشاحنات تلف بيتهم ..........أما الزوجة الصالحة حتى لو زوجها لم يقدرها فإنها واثقة أن مابقلبه نحوها من الحب الكثير الكثير وأن حياتهم ملأها الإيمان والإطمئنان والسكينة والسعادة


حتى لو حاول الزوج إغضابها فلابد أن يعود يوماً ويعض أصابع الندم قهراً بعد أن يعلم أن مابين يديه من زوجة صالحة كنز يفتقده الكثير الكثير الكثير.


لذا يامن أنعم الله عليه بزوجة صالحة (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية

هل تحرم مصافحة الرجل لمرأة أجنبية عنه ؟ 
الحمد لله
مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية حرام لا يجوز ومن الأدلة على ذلك ما جاء في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له . " رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع 5045
ولا شكّ أنّ مسّ الرجل للمرأة الأجنبية من أسباب الفتنة وثوران الشهوات والوقوع في الحرام ، ولا يقولنّ قائل : النيّة سليمة والقلب نظيف فإنّ صاحب أطهر قلب وأعفّ نفس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسّ امرأة أجنبية قطّ حتى في بيعة النساء لم يبايعهن كفّا بكفّ كالرّجال وإنّما بايعهن كلاما كما روت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ .. قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلامًا وَلا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ . رواه البخاري 4512 وفي رواية : أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ .. وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ . صحيح مسلم 3470
وفي رواية عنها رضي الله عنها قالت : مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا رواه البخاري 6674
وبعض المسلمين يشعر بالحرج الشّديد إذا مدّت إليه امرأة أجنبية يدها لمصافحته ويدّعي بعضهم بالإضافة إلى اختلاطه بالنساء الاضطرار إلى مصافحة المدرّسة أو الطّالبة التي معه في المدرسة أو الجامعة أو الموظّفة معه في العمل أو في الاجتماعات واللقاءات التجارية وغيرها وهذا عذر غير مقبول والواجب على المسلم أن يتغلّب على نفسه وشيطانه ويكون قويا في دينه والله لا يستحيي من الحقّ ، ويمكن للمسلم أن يعتذر بلباقة وأن يبيّن السّبب في عدم المصافحة وأنّه لا يقصد الإهانة وإنّما تنفيذا لأحكام دينه وهذا سيُكسبه - في الغالب - احترام الآخرين ولا بأس من استغرابهم في البداية وربما كانت فرصة للدعوة إلى الدّين عمليا والله الموفّق .

بطاقات إلى الدعاة


 




 
 
 
 

نحو داعية ربّانى (2-3)

نحو داعية ربّانى (2-3)



 بسم الله الرحمن الرحيم

أوضحنا فى الجزء الأول من مقالنا من هو الداعية الربانى الذى ننشده وماذا قصدنا بالداعية وكيف يتصف بصفات الربانية ..
ثم بدأنا نضع حروفا على نقاط لهذا الداعية وبدأناها بتوضيح أن حياة الداعية حياة يجب أن تكون كلها لله . .. ونستكمل بإذن الله فى الجزء الثانى بهذه النقاط .

• الداعية الربانى .. على ثَغْر :


فمن الضرورى عليه أن يوقن أنه على ثغر عظيم من ثغور الإسلام العظيم خاتم الرسالات , وأن مهمته ليست إلا تجسيد وممارسة عملية لمهمة الرسل والنبيين , وبالتالى وَجَب عليه أن يكون على القدر الذى يجعله رمزاً صالحاً يُشار إليه بالبنان . فهو رسول الهداية ومنبع الوقاية ومفتاح السعادة , إذا صلح فهمه للإسلام وتَوسّط وإعْتَدل وتمتّع بشموليته لفهم دينه لصَلُحَ الناس من حوله وتصحّحت المفاهيم وإنضبطت الأفكار وإنصلحت القيم وتنوّرت العقول بما يرضى الله والرسول .

• الداعية الربانى .. وَسَطىُّ مُعتَدِل :


فمن الضرورى أن يوقن أنه مطالب بإخراج الناس جميعاً من ضيق وسوء المفاهيم والأخلاق والإيمانيات الضعيفة إلى صحة وسعة المفاهيم والمضامين والأخلاقيات الواسعة العظيمة .. شريطة الحٌسنى والتبليغ الجميل والمحبّبُ إلى نفوس الناس , فلا تشدّد ولاتعنّت ولاتضييقا للواسع , ولكنّ الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن هى أجمل وأعظم مايجب أن ينهجه الداعية الربانى الناجح , وأن يجعل الإعتدال والوسطية فى أطروحاته منهجاً سامياً محورياً يرتكز عليه فى تبليغ الناس وإرشادهم وألا يتخذ غيره بديلا ..
وأن يدعوا دائما ربه قائلا : اللهم أبرم لأمة محمد أمر رُشد وسداد وأمن وأمان ورخاء يُعِزّ فيه أهل طاعتك ويُهْدَى فيه ويُتاب على أهل معصيتك .
وألا يكون ممن يدعوا قائلا : يُهدى فيه أهل طاعتك ويُذّلُ فيه أهل معصيتك ...
فلا يليق بالداعية الربانى أن يدعو بإذلال أهل المعصية ...فما من أحد منا معصوم من الخطأ .. إلا من رحم الله .. ولاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم .. ونسأل الله عفوه ورضاه لنا ولأمة محمد قاطبة .

• الداعية الربانى .. طَبيبُ المُجتمع :


يجب أن يوقن الداعية أنه الطبيب الأول للمجتمع بأكمله وهو مايستدعى أن يكون ماهرا فى إكتشاف أمراض الناس السلوكية والأخلاقية والإيمانية والتعبدية ويكون حسناً فى التشخيص وحسناً فى وصف العلاج , وأن يكون قارئاً جيداً وبإستمرار فى كل ماهو جديد فى قاموس الطب الدعوى النبوى النافع والمؤثر , وإذا أراد التميز و المهارة فى ذلك فليجعل قدوته صاحب الدعوة قائد الغُرّ المحجلين وخاتم المرسلين الحبيب محمد الأمين صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين , فهو الأسوة والقدوة أَكْرِمْ بها من أسوة وقدوة .

• الداعية الربانى .. يألَف ويُؤلَف :


وهى سمة هامة , فلا يصح لداعية يريد أن يكون ربانيا بأن يخسر الناس أو شريحة منهم لكونه لايستطيع أن يكون ذا لسان طيب يُحبّب الناس فى الخير ويُرشدهم إليه , يداعب بكلماته الجميلة الحاضرين , ويلاطف بمزاحه المهذب المستمعين , يرسل البسمات والإشارات اللطيفة لمن أمامه من المتعطشين , فيكون بلسماً يٌزيح الهموم وباباً لإسعاد المكلوم والإطاحة بالهموم , وروحاً جميلة تسرى فى أجساد الناس فتحييها بنور الله ... فتصبح آمنة مطمئنة تتعبد ربها بحُب وشغف وصفاء وشوق ..

نحو داعية ربّانى (1-3)

نحو داعية ربّانى (1-3)

 بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا نقصد بالربّانى ؟
الربانى بإيجاز هو من تَوخّى وجه ورضا ربه فى كل خطراته وسكناته وحركاته فأصبح يتكلم بكلام الله ويعمل لنيل رضى مولاه فإجتهد فى طاعته وعبادته ووصل إلى مرحلة أقرب من غيره إلى ربه قُرْباً منه وتقرّبا وعلما به وتوصّلا وحُبّاً له وأكثر تعلقاً بذكر ربه وحمده وتلاوة كتابه والإهتمام برسالة سمائه .
فأصبح للإسلام عاشقا ولله وبالله مُتّصِلاً وموصولا فصار مع الرب أبدا لايقدر أن يبتعد عنه فتقرّب منه الربّ تقرباً قوياً ليصبح جل وعلا محبا له موصولا معه , وله يسعى ويتحرك ويُبلّغْ مبتغياً رضاه ومثوبته .

لماذا الداعية ؟

الداعية هو : حجر الزاوية فى تبصير الناس بالإسلام العظيم المعتدل للأخذ بأيديهم بسلام نحو جنات ونهر.
الداعية هو : من شرّفه الله بالإختيار والإصطفاء , بأن علّمه بعلمه وسخّره لدينه والدعوة إليه .
الداعية هو : من إختاره الله وِوَكَلَ إليه مهمة عظيمة هى مهمة الأنبياء والمرسلين ... البلاغ .
الداعية هو : من له عند الله شأن عظيم , فهو من ورثة الأنبياء .
الداعية هو : من جعله الله على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام فلا يختار الله لدعوته إلا الأهلون لها والجديرون بحقها.
الداعية هو : من إذا تأثّر بما يدعو له وبه هو أولا , لكان أكثر تأثيرا فيمن يدعوهم فهو دائما ذا أثر وأعماله لها المردود التربوى والروحى فى نفوس الناس .
الداعية هو : من الأُمّة التى قال الله عنها : ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون .
الداعية هو : صَمّام الأمان للناس من الزعزعة والقلاقل ومُضِلاّت الفتن وبواعث الخلاف .
الداعية هو : زيت المصباح الذى يضيء للأمة ظلمة المفاهيم وإعوجاج القيم وشذوذ الأفكار وسطحيتها.
الداعية هو : أداة النجاة وسبيل الهداية ورمز الإسلام والحضارة ومحضن الفقه والعلم فى الدين ..
الداعية هو : مايريده الإسلام أن يكون وسطيّاً معتدلا فى دعوته غير مٌنفّرٍ للناس فى دينهم ولا متشدّدا
الداعية هو : من يريده الإسلام أن يكون مصدراً للأمن والأمان كما هو فى العلم و الإيمان , داعياً الناس إلى العمل المُنتِج الحسن البنّاء المثمر النافع له وللناس والأوطان , وعدم التجريح والإساءة ودعوة الناس لحب الله وحب الأوطان .

*( لهذا وغيره حَرِىُّ به أن يكون ربانياً وعلى قدر مهمته وعِظَمْ مسئوليته أمام الله وأمام الناس )*
*( ربانّية الداعية .. نِقاطٌُ على حُرُوف )*

• الداعية الربانى .. كُلّهُ لله :
فهو يجب أن يقصد - بقوله وعمله ومقاله وبرامجه وتنقله - وجه الله ، وإبتغاء رضاه وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدّم أو تأخر أو تصّدُر للمجالس ، وبذلك يكون مخلصا متجرداً لفكرة الإسلام الصحيحة وعقيدة السماء الخالدة .
ليس بصاحب مطمع ولا هوى نفس ولا شهوة شهرة ولا مُحباً للصِيت ولا يعرف الكِبْر والعُجْب .
ويجب أن يتوخى دائما قول الله الخالد : قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لاشريك له ..... , ويجب عليه أن يكثر من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم : اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لانعلمه .. وأن يتذكر دائما أن الأعمال بالخواتيم .. وأنه لاينفعه من عمله كداعيه إلا ماكان خالصا لله مجردّاً له وصادقاً

الصبر على الإصلاح

الصبر على الإصلاح 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها، وترادفت الضوائق وطال ليلها، فالصبر وحده هو الذي يشع للمسلم النور العاصم من التخبط، والهداية الواقية من القنوط.
والصبر فضيلة يحتاج إليها المسلم في دينه ودنياه، ولابد أن يبني عليها أعماله وآماله وإلا كان هازلاً .. يجب أن يوطن نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، وانتظار النتائج مهما بعدت، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، بقلب لم تعلق به ريبة، وعقل لا تطيش به كُربة، يجب أن يكون موفور الثقة بادي الثبات، لا يرتاع لغَيْمة تظهر في الأفق ولو تبعتها أخرى وأخرى، بل يبقى موقناً بأن بوادر الصفو لابد آتية، وأن من الحكمة ارتقابها في سكون ويقين.
وقد أكد الله أن ابتلاء الناس لا محيص عنه، حتى يأخذوا أهبتهم للنوازل المتوقعة، فلا تذهلهم المفاجآت ويضرعوا لها. (1)
" ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم " [محمد : 31] .
وذلك على حد قول الشاعر :
عَرَفْنا اللَّيالي قَبلَ مَا نَزَلَت بِنَا --- فلمَّا دَهَتْنَا لَمْ تَزِدْنَا بِهَا عِلْما !
ولا شك أن لقاء الأحداث ببصيرة مستنيرة واستعداد كامل أجدى على الإنسان، وأدنى إلى إحكام شئونه.
قال تعالى : " وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " [آل عمران :186] . (2)
والتريث والمصابرة والانتظار تتَّسق مع سُنَن الكون القائمة ونُظُمه الدائمة، فالزرع لا ينبت ساعة البذر، ولا ينضج ساعة النبت؛ بل لابد من المكث شهوراً حتى يجتني الحصاد المنشود. والجنين يظل في بطن الحامل شهوراً حتى يستوي خلقه، وقد أعلمنا الله عزوجل أنه خلق العالم في ستة أيام، وما كان ليعجز أن تقيم دعائمه في طرفة عين أو أقل. وتراخى الأيام والليالي على الناس هو المدى الذي تقتطع منه أعمارهم؛ وتستبين فيه أحوالهم، وتنضج على لهبه الهادىء طباعهم، ثم ينقلبون بعد إلى بارئهم.
" كما بدأكم تعودون، فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة " [الأعراف : 29،30].
فالزمن ملابس لكل حركة وسكون في الوجود، فإذا لم نصابره اكتوينا بنار الجزع، ثم لم نغير شيئاً من طبيعة الأشياء التي تسير حتماً على قَدَر.(3)

من نوح إلى محمد عليهما السلام صبر متواصل على الإصلاح
يضرب لنا القرآن الكريم أروع الأمثلة في الصبر على الإصلاح، قال الله تعالى عن نوح عليه السلام:
"ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون" [العنكبوت:14].
هكذا ذكر الله عزوجل المدة التي قضاها نوح مع قومه، فما هي الوسائل التي استخدمها مع قومه ؟
قال تعالى :" قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً (5) فلم يزدهم دعائي إلا فراراً (6) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً (7) ثم إني دعوتهم جهاراً (8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً (9) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً (10) يرسل السماء عليكم مدراراً (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً (12) ما لكم لا ترجون لله وقاراً (13) وقد خلقكم أطواراً (14) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً (15) وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً (16) والله أنبتكم من الأرض نباتاً (17) ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً (18) والله جعل لكم الأرض بساطاً (19) لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً (20) قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً (21) " [نوح]
بعد هذا الجهد الكبير، وبعد هذا العمل المتواصل، ترى كم آمن مع نوح عليه السلام ؟
يقول الحق تبارك وتعالى :"حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل" [هود:40]
فرغم هذه المدة التي قضاها بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً لم يؤمن معه إلا القليل.
فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم، وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفساً، وقيل كانوا عشرة، والله أعلم. (4)

النبي صلى الله عليه وسلم بذل الجهد الكبير في إصلاح الأمة، وفي نشر هذه الدعوة المباركة

فعلى امتداد المرحلة المكية – ثلاثة عشر عاماً – أى أكثر من نصف عمر الرسالة – كانت الصناعة الثقيلة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي إعادة صياغة الإنسان، بإقامة الأصول، وتجيسدها في القلة المؤمنة. وفي دار الأرقم بن أبى الأرقم – مدرسة النبوة والمؤسسة التربوية الأولى في تاريخ الإسلام- كانت صياغة القلوب والعقول بخلق القرآن وقيم الإسلام، فلما تكون الجيل الفريد، وتبلورت الجماعة والأمة التي صنعها الرسول صلى الله عليه وسلم على عينه، جاءت – بعد الهجرة – مرحلة النشر والانتشار للإصلاح في ميادين الفروع، جاءت: الدولة، والسياسة، والجيوش، والفتوحات، والنظم والمؤسسات، والقوانين، والعلاقات الدولية إلى آخر ميادين فروع الإصلاح. لقد تقدمت "الدعوة" على "الدولة"، وتقدم تغيير "النفس"على تغيير"الواقع"، ولذلك كان التغيير منطقياً، وحقيقياً، وراسخاً كل الرسوخ.
وبلغ هذا الجهد من النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت"الأمة العامة" – التي اعتنقت الإسلام، عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم- قد بلغ تعدادها ...,124فإن "الأمة الخاصة" – التي مثلت الأعلام والقيادات والريادات والصفوة التي تخرجت من مدرسة النبوة – قد أحصى العلماء عددهم في نحو ثمانية آلاف – منهم أكثر من ألف امرأة – جاءت تراجمهم في الأسفار التي رصدت أعلام الصحابة، الذين صنعوا وقادوا – من حول الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم نماذج الصلاح والإصلاح في تاريخ النبوات والرسالات. (5)
لم يصبر النبي صلى الله عليه وسلم على صناعة النفوس فقط بل كان هناك صبر آخر على صناعة البيئة المهيئة للدعوة.

فقد أجمع المشركون من أهل مكة على محاربة الدعوة التى عرّت واقعهم الجاهلى، وعابت آلهتهم وسفهت أحلامهم – آراءهم وأفكارهم – وتصوراتهم عن الله والحياة والإنسان والكون، فاتخذوا العديد من الوسائل والمحاولات لإيقاف الدعوة وإسكات صوتها، أو تحجيمها وتحديد مجال انتشارها. فكانت هذه المحاولات الكثيرة لإيقاف هذه الدعوة من حروب مختلفة وأهمها ثلاثة أنواع من الحروب:

النوع الأول: حرب الإضطهاد
وقد وجهت للضعفاء الذين لا عزوة لهم ولا عصبية. والرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يملك شيئا، وليس لديه ما يقدمه من حماية إذ رأى أسرة كأسرة عمار بن ياسر هو ووالده وأمه – رضى الله عنهم – إذ رأى الأسرة تعذب ماذا يقول لها ؟ لا يستطيع أن يقول إلا "اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة "، وعن جابر – رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون فقال: " أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة ".
النوع الثاني: حرب السخرية
وحرب السخرية كانت حربا فيها نوع من الإيذاء النفسي ومن الإحراج البالغ، كانت حربا موجعة " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون"[الحجر:6] "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون (29) وإذا مروا بهم يتغامزون (30) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين (31) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون (32)"[المطففين] إنهم يضحكون ويسخرون وينكتون غمز ولمز وتنكيت، لكن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ثبتوا وصبروا على هذا كله.
النوع الثالث: حرب المقاطعة والحصار
وهى حرب مؤذية عندما يكون الإنسان تاجرا ثم تتقرر مقاطعته، أو عندما يكون له بنات وبنون فيتقرر ألا يتزوج أحد من بناته، هكذا صنع المشركون بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم تحملوا هذا كله وكان هذا الحصار الاقتصادى والاجتماعى فى آخر العام السابع من البعثة فازداد إيذاء المشركين من قريش، أمام صبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون على الأذى وإصرارهم على الدعوة إلى الله، وإزاء انتشار الإسلام فى القبائل، وبلغ هذا الأذى قمته فى الحصار المادي والمعنوي والذي ضربته قريش ظلما وعدوانا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن عطف عليهم من قرابتهم . (6)
هذه هي بعض الصور في الصبر على الإصلاح، والتي تدعوا المسلم أن يتحلى بهذا الخلق، فلا يعجل، ولا يقنط، ولا ييأس من رحمة الله.

وسائل عمليه للصبر على الإصلاح

هناك وسائل عمليه تعين المسلم على التحلي بهذا الخلق ومنها:

1- أن يعرف المسلم الغاية التي من أجلها خلقه الله في هذه الحياة
إذا نظر المسلم إلى غايته هان عليه كل شىء في سبيلها، يقول الحق تبارك وتعالى:" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " [التوبة:111].
والغاية التي من أجلها يعيش الإنسان أن يعبّد هذا الكون لخالقه، وأن تنتشر تعاليم الإسلام بما تحمله من قيم الحق والخير والسعادة والعدل والمساواه بين الناس.
وهذا ما أجاب عنه"ربعي بن عامر" حين سأله "رستم" لماذا خرجتم من دياركم وطمعتم في غزو ديارنا ؟ أجاب: " لقد ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ". (7)
هذه الغاية أيضاً تمثلت في إجابة "حاطب بن أبي بلتعة" في حواره مع "المقوقس" – عظيم القبط بمصر- سنة 7هجرية، 628م والوارث لمواريث أقدم حضارات الدنيا وأعرقها.
لقد بدأ المقوقس حواره مع حاطب بالتحدي والتساؤل الاستنكاري، المتسائل عن صدق نبوة محمد وسلطان نبوته صلى الله عليه وسلم فقال لحاطب:
" ما منعه (أي الرسول) – إن كان نبياً- أن يدعو عليّ فَيُسَلَّط علىّ ؟!
فكان جواب حاطب:
منعه ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفْعَلَ به ويُفْعَل!
(فوجم المقوقس ساعة – أي فترة- ثم استعاد إجابة حاطب، فأعادها عليه حاطب، فسكت المقوقس).
وهنا استأنف حاطب محاورة المقوقس، فقال:
إنه كان قبلك رجل – يشير إلى فرعون موسى- زعم أنه الرب الأعلى، فانتقم الله به – أي من الذين استخفهم فأطاعوه- ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يُعْتَبَر بك !وإن لك ديناً – أي النصرانية – لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام، الكافي به الله فقد ما سواه. وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤك إياك إلى القرآن كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل. ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به" !
فمن جعل حاطب يتكلم بهذه الفلسفات في الدين، والدنيا، وفي الحرية، والتاريخ؟ ومن الذي جعله يكثفها في كلمات، هي عصارة للحكمة العالية ؟؟
إنها الغاية التي إذا عاش بها الإنسان أسفرت عن جميل الطبع وبديع الفطرة. (8)

2-
أن يعرف المسلم طبيعة الحياة
فإن الحياة الدنيا لم يجعلها الله دار جزاء وقرار بل جعلها دار تمحيص وامتحان، والفترة التي يقضيها المرء بها فترة تجارب متصلة الحلقات يخرج من امتحان ليدخل في امتحان آخر، قد يغاير الأول مغايرة تامة، أي أن الإنسان قد يمتحن بالشيء وضده، مثلما يصهر الحديد في النار ثم يرمى في الماء. وهكذا.
وكان سليمان عالماً بطبيعة الدنيا عندما رزق التمكين الهائل فيها فقال:
" هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " [النمل:40].
والابتلاء بالأحزان مبهم الأسباب! ويحسن أن نفهم أن أوضاع الناس في الحياة كجيش عبىء للقتال، وقد تكلفُ بعض فرقه بالقتال حتى الموت، لإنقاذ فرقة أخرى، وإنقاذ الفرق الباقية يكون للقذف بها في معارك أخرى، ترسمها القيادة حسبما توحي به المصلحة الكبرى، فتقدير فرد ما في هذه الغمار المائجة لا ينظر إليه، لأن الأمر أوسع مدى من أن يرتبط بكيان فرد معين.
كذلك قد يكتب القدر على البعض صنوفاً من الابتلاء ربما انتهت بمصارعهم، وليس أمام الفرد إلا أن يستقبل البلاء الوافد بالصبر والتسليم، وما دامت الحياة امتحاناً فلنكرس جهودنا للنجاح فيه.
وامتحان الحياة ليس كلاماً يكتب أو أقوالاً توجه، إنها الآلام التي تقتحم النفس وتفتح إليها طريقاً من الرعب والحرج، إنها النقائص التي تجعل الدنيا تتخم بطون الكلاب، وتنيم صديقين على الطوى، إنها المظالم التي تجعل قوماً يدعون الألوهية، وآخرين يستشهدون وهم يدافعون عن حقوقهم المنهوبة.
إن تاريخ الحياة من بدء الخلق إلى اليوم مؤسف ! ومن الحق أن يشق المرء طريقه في الحياة وهو موقن بأنه غاص بالأشواك والأقذاء. (9)

3-
أن ينظر المسلم إلى الأسباب لا إلى النتائج
من أهم الوسائل للصبر على الإصلاح أن ينظر المسلم إلى الأسباب، فيبذل قصار جهده في تحصيلها، ولا ينظر إلى النتائج، فالنتائج بيد الله، والمسلم محاسب على العمل لا على النتيجة.
وأروع الأمثلة على ذلك:
ما قدمه المسلمون الأوائل من تضحيات جسام، ومع ذلك فإنهم قابلوا الحق تبارك وتعالى ولم يروا نصر الإسلام.
فهاهو ياسر وسمية رضي الله عنهما والدا عمار بن ياسر يموتون في سبيل الله، ويتحملون الأذى على تبليغ الدعوة، ويصبرون على الإصلاح، ومع ذلك ماتوا ولم يروا للإسلام راية ترفع، ولا دولة تقام، قاموا بما عليهم وكانت النتيجة على الله.
وهاهو سفير الإسلام مصعب بن عمير يقول عنه عبد الرحمن بن عوف:
قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه وقال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. (10)
وعن خباب، قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله عزوجل. فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أحد، فلم نجد له شيئاً نكفنه به إلا نَمِره (11)كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه. فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رأسه إذخِراً (12). ومنا من أينعت ثمرته فهو يَهْدِبُها (13)[أخرجاه في الصحيحين]. (14)

4-
أن يتعرف المسلم على المنهاج الإسلامي في الإصلاح
للإصلاح – في الرؤية الإسلامية – منهاج متميز عن نظائره في كثير من الأنساق الفكرية والفلسفات والحضارات التي انتشرت وسادت خارج إطار الإسلام.
فالإصلاح الإسلامي ليس تغييراً جزئياً ولا سطحياً، وإنما هو تغيير شامل وعميق، يبدأ من الجذور، ويمتد إلى سائر مناحي الحياة، بل إنه لايقف عند ميادين الحياة الدنيا، وإنما يجعل من صلاح الدنيا السبيل إلى الصلاح والسعادة فيما وراء هذه الحياة الدنيا.
وهو لا يقف عند "الفرد" – كما هو الحال في المذاهب" الفردانية" – كما أنه لا يهمل الفرد، مركزاً على "الطبقة" – كما هو الحال في كثير من المذاهب والفلسفات الاجتماعية اليسارية- الوضعية والمادية – وإنما يبدأ الإصلاح الإسلامي بالفرد، ليكون منه الأمة والجماعة. فالإسلام هو دين الجماعة – والجماعة أشمل وأوسع من الطبقة- وبدون صلاح الأفراد لن يكون هناك صلاح حقيقي للأمم والمجتمعات.(15)
والإصلاح الإسلامي يقوم على التدرج – سنة الله في الأرض- فالزرع لا ينبت ساعة البذر، ولا ينضج ساعة النبت؛ بل لابد من المكث شهوراً حتى يجتني الحصاد المنشود. والجنين يظل في بطن الحامل شهوراً حتى يستوي خلقه، وقد أعلمنا الله عزوجل أنه خلق العالم في ستة أيام، وما كان ليعجز أن تقيم دعائمه في طرفة عين أو أقل.
هذه هي بعض الوسائل التي تعين على الصبر على الإصلاح، ندعوا الحق تبارك وتعالى أن يجعلنا من الصابرين الذين يوفون أجرهم بغير حساب.


الهوامش

1- أي : يذلوا .
2- خلق المسلم ش/محمد الغزالي .
3- المرجع السابق .
4- مختصر ابن كثير للصابوني .
5- المنهاج الإسلامي في الإصلاح د/ محمد عمارة .
6- خطب الشيخ الغزالي دار الاعتصام .
7- دور الشباب في حمل رسالة الإسلام عبدالله ناصح علوان .
8- المنهاج الإسلامي في الإصلاح د/ محمد عمارة .
9- خلق المسلم ش/ محمد الغزالي .
10- موقع قصة الإسلام ( مصعب بن عمير ) .
11- النمرة : ثوب مخطط .
12- الإذخر : نبات ينبت في صحراء الجزيرة له رائحة زكية .
13- أي : يجنيها .
14- صفة الصفوة لإبن الجوزي .
15- المنهاج الإسلامي في الإصلاح د/ محمد عمارة .

زاد الداعية

صفحات من حياة داعية
 بسم الله الرحمن الرحيم

شرف عظيم للعبد عندما يدفعه الإخلاص لله تعالى أن يسلك طريق الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - ويتفيأ بظلال قدوتهم والسير على منهجهم في دعوة الناس للخير للحصول على المقصد الأسمى والمقام الأعلى برضا الرحيم الرحمن - سبحانه وتعالى -.

عندما وقفت متأملاً نصوص الكتاب والسنة في فضائل الدعوة إلى الله تعالى تمثل أمامي العمر الحقيقي للداعية عندما يتوارى جسده في التراب ويبدأ نهر الحسنات بالجريان ويصب ذلك كله في الميزان الذي يؤثر فيه مثقال الذرة فتكون الحسنات أنيساً في القبر وبشرى عند الوقوف أمام رب العالمين.

إن حياة الدعاة إلى الله تعالى من النعيم الذي ينعم به المؤمن عندما يضع الداعية خده في آخر يومه على وسادته ويختلط التعب والمشقة بنعيم العمل لله تعالى ويقوم من غده ويقطف الخيرات ويحصد الحسنات من جديد تلكم والله السعادة الحقيقة ومن علم سيرة خير البرية - صلى الله عليه وسلم - استقر في قلبه برد اليقين بهذا العمل العظيم.

ومن أهم صفات الداعية إلى الله تعالى أن يكون قدوة حسنة في مجتمعه ؛ لأن تأثير الدعوة بالأفعال كتأثير الدعوة بالأقوال , وأن يتحلى بمكارم الأخلاق , وفي هذا السياق أتذكر قصة دائماً أذكرها للاخوة أن أحد المشايخ الفضلاء ممن يعرف بلين الجانب والابتسامة المشرقة - لمن يعرفه ولمن لايعرفه -قابله أحد الشباب المقصرين , فبش الشيخ في وجهه واستقبله أحسن استقبال وأخذ معه أطراف الحديث , فتغيرت أحوال هذا الشاب وأصبح فيما بعد من الدعاة إلى الله تعالى.

ويكمن نجاح الداعية إلى الله تعالى في العلم الشرعي الذي به يحسن مايدعو إليه وبالتربية الإيمانية التي تعين الداعية في يومه الدعوي وبأسلوبه وعرضه المناسب الذي يساهم في تحقيق الأهداف التي يحددها , وفي الدرجة الأولى إخلاص العمل لله تعالى ومتابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومحبة الناس وقبولهم للدعاة وغيرهم لايملكهما البشر وإن حاول أحد تغييرها فليس له إلا أن يبوء بالحسرة والإثم , والداعية في الحقيقة لايضره شيء لأنه سائر في طريق العزة ويترقى في منازل الكرامة وإن وجد مايسره فتلك عاجل بشرى المؤمن ويكفيه في كل أحواله أنه يعمل بقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

وهذه المقدمة من صيد خاطري دونتها بعدما لهج لساني بالدعاء وغرقت عيناي بالدموع ولم أستطع التعبير عما يجول في خيالي ويلمسه فؤادي بسماعي خبر وفاة أخي وصديقي الداعية عبدالله بن ناصر الجميع - رحمه الله تعالى-.

إن وفاة هذا الداعية الشاب أحيا فيَّ وفي غيري أشياء كثيرة فلربما يستغرب البعض من سنه الذي لم يتجاوز التاسعة والعشرين ولكن يزول هذا الاستغراب الطبيعي بمقولة الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى - : (لايقاس عمر الإنسان بطول السنين ولكن بعرض الأحداث).

عرفت هذا البطل الهمام صغيراً وكبر في عيني بأفعاله سريعاً مع مرور الأيام والسنين وقد جعل له في أكثر ميادين الخير بصمة واضحة ومن اقترب منه لاحظ الجهد الذي كان يقدمه في مسابقته إلى الخيرات وتوجت تلكم الجهود بأن ختم حياته في الدنيا - بتوفيق الله تعالى - بأن كرر كلمة التوحيد كثيراَ حتى اختفى صوته وسبابته إلى السماء وبإشراقة وجه كل من رآه استبشر خيراً.

الصفحات الأخيرة من حياة هذا الداعية المجاهد بدأت بعدما ختم برنامجه الدعوي في محافظة بيشة يوم الثلاثاء الماضي وخرج منها بعد صلاة العشاء قاصداً محافظة القويعية لإقامة برامج دعوية هناك وقدر - سبحانه تعالى - عليهم في الطريق الموصل بين المحافظتين أن تنحرف شاحنة في طريقهم وكلما أراد الابتعاد عنها تبعته الشاحنة , وهو لايزال يرفع صوته بقول : (لا إله إلا الله) حتى اختفى صوته تحتها وقبض الله تعالى روحه وصاحبه الذي معه , وأما صاحبه الثالث فقد كتب الله تعالى له النجاة بأن قفز من السيارة من قوة الضربة وأصيب بكسور وهو الآن في العناية المركزة.

انتشر خبر وفاته وأجمع أهله أمرهم بالإتيان به إلى محافظة الخرج ووصل جثمانه إلى مغسلة جامع الملك عبدالعزيز الساعة الواحدة والنصف ليلاَ وقدمت ومعي مجموعة من الشباب للمغسلة وشاركنا في تكفينه وقد رأيته مبتسماً وعلى وجهه النور ورافعاً سبابته إلى السماء وقبلنا جبينه ودعونا له كثيراً وأصواتنا يخالطها البكاء وتركناه وخرجنا من المغسلة ونحن نحمد الله تعالى على قضائه وقدره.

وتوافد الناس على المغسلة للسلام عليه من الصباح الباكر إلى قبل صلاة الظهر وازدحم الناس في الجامع وصلى الكثير منهم في الخارج وأغلقت الشوارع المحيطة بالجامع من شدة الزحام وبعد الصلاة عليه تبعه الناس إلى مقبرة الثليماء جنوب محافظة الخرج وجموع الناس تتبعه والتف أكثرهم حول قبره وبعد الفراغ من دفنه وقف أحبابه على قبره للدعاء له وارتفع صوت البكاء وخيم الحزن على الجميع وأقبل بعضهم لعزاء أقاربه وخرج الناس من المقبرة وبقي أخي الغالي الداعية عبدالله الجميع بين يدي رحمة الله تعالى.

ورجعت إلى منزلي داعياً الله تعالى له بالمغفرة والرحمة وبدأت استرجع شريط المشاهد التي عشتها مع هذا الصديق الوفي وكتبت بعض صفحات من حياته وجهاده وتركت التفصيل والاستغراق في بعض الأحداث وغردت بها في حسابي على تويتر وبها أختم هذا المقال والحمد لله رب العالمين.


1. يبلغ الداعية عبدالله بن ناصر الجميع من العمر تسعة وعشرين سنة وهو من مواليد قرية السلمية في محافظة الخرج.
2. تخرج من كلية التربية من جامعة الملك سعود بالرياض وعمل مدرساً في محافظة بيشة وهو متزوج وله ابنتان عمر الصغيرة شهران تقريباً.
3. كان إماماً لمسجد خالد القسري بمحافظة الخرج وعمره حينئذ سبعة عشر سنة وتكفل برعاية أخوته بعد وفاة والده أثناء عمله.
4. فيصل أصغر أخوته يناديه بابا لأنه لم يدرك والده ومع انشغاله بالدراسة الجامعية ورعاية أهله ترك إمامة المسجد.
5. مكث في الجامعة خمس سنوات تقريباً وكان يتردد بين الخرج والرياض من أجل رعاية أهله والدعوة إلى الله تعالى.
6. يشهد له الشباب بنشاطه في الدعوة وجهوده في أنشطة الجامعة وحب الأساتذة له والاحترام المتبادل بينه وبين الطلاب.
7. حدثني عندما كان في أمريكا مع بعثة طلاب الجامعة بانبهار بعض الناس بطوله الفارع وتسارع أكثرهم في التصوير معه.
8. أنشأ في أيام دراسته الجامعية الجولات الدعوية في الخرج التي تقام كل يوم أربعاء وتنقل في أماكن تجمعات الشباب.
9. له جهود رائعة في الجولات الدعوية بدعم المحسنين وبشائر بقوافل التائبين في كل لقاء بإشرافه رحمه الله تعالى.
10. تولى المكتب التعاوني الإشراف على الجولات الدعوية بعد نجاحات رائعة منذ عشر سنوات ومستمرة ولله الحمد والفضل.
11. أنشأ كذلك في أيام دراسته الجامعية اللقاءات الرمضانية الدعوية والرياضية المقامة بين الاستراحات الشبابية.
12. نهاية البرنامج الرمضاني المدعوم من المحسنين وتلقى المحاضرات وتوزع الجوائز ويذهبون ببعض الشباب لأداء العمرة.
13. يقدمون برامج دعوية في الطريق إلى مكة مما تسبب في هداية كثير من الشباب في الرحلة ثم يعودون للمشاركة في إقامة البرامج الجديدة.
14. تولى المكتب التعاوني الإشراف على اللقاءات الرمضانية بعد نجاحات رائعة منذ عشر سنوات ومستمرة ولله الحمد والفضل.
15. الكثير من الشباب الذين يقيمون البرامج الدعوية في الخرج الآن هم من الذين استقاموا على يديه رحمه الله تعالى.
16. أنشأ كذلك لقاءً دعوياً للصم والبكم وسعى في إيجاد بيئة مناسبة لهم وبعدها تولى الإشراف على البرامج الجهة المختصة.
17. قبل وفاته بسنتين أقام نادي شبابيات الصيفي الذي يقام في كل إجازة وفيه عدد من البرامج العلمية والدعوية والرياضية.
18. في نهاية برنامج النادي الصيفي يُكرَّم الفائزون في البرامج ويذهبون بمن قام بالبرنامج برحلة إلى الطائف وأبها.
19. نادي شبابيات تحت إشراف مركز الحي بوسط السيح التابع لإدارة التعليم وبرامجه مستمرة ولله الحمد والفضل.
20. جهوده الدعوية في السجون واضحة ويعتبر مرشداً دينياً في سجون منطقة الرياض وبقية المناطق معروف عندهم بذلك.
21. ينسق مع المشايخ في السجن العام بالخرج للدعوة وإقامة الدورات العلمية ويحرص على تلبية طلبات السجناء ويشفع لهم.
22. السجن العام بالخرج تغير للأفضل وتحسنت أوضاع السجناء والإدارة متعاونة جداً معه وأثمرت تلك الجهود المباركة.
23. لايترك الفرصة تفوته بأن يبادر أو يوافق لمن ينسق معه في إلقاء الكلمات الوعظية في المساجد والمدارس.
24. اتصل بي ليبشرني بصدور التصريح الرسمي من الوزارة في إلقاء المحاضرات وكانت خطوة في إلقاء المحاضرات في الجوامع.
25. أسلوبه الدعوي كان مميزاً ولهذا حرصت المدارس والأندية الصيفية في التنسيق معه ولايتردد في الموافقة وتلبية الدعوة.
26. يشهد له تواصله الاجتماعي بحضور مناسبات الأقارب وتلبية دعوة الأفراح وحضور العزاء وعيادة المرضى في أي مكان.
27. سافرت معه للدعوة إلى الله تعالى في السعودية فوجدته شعلة من النشاط وقريباً من الشباب ومحترماً للعلماء وكبار السن.
28. يحمل صفات الداعية الناجح وفي مقدمتها الهمة العالية والاستشارة والتخطيط للوصول للأهداف بأسهل طريقة.
29. عين مدرساً في محافظة بيشة وانتقلت مشاريعه معه ليعيدها هناك مع إشرافه على الأعمال الدعوية في الخرج بالجوال.
30. مشاريعه الدعوية في محافظة بيشة وماجاورها تحدث عن بعضها أخي الداعية غرم البيشي عبر تغريدات في حسابه على تويتر.
31. حج بأمه حجة الإسلام الموسم الماضي في إحدى الحملات واستغل الوقت في زيارة الشباب والدعوة وإلقاء الكلمات.
32. اقترض مبلغاً من المال ليكون سبباً في حج خمسة أشخاص لايعرفهم وقد قابلهم بعد كلمة ألقاها في مسجد بإحدى قرى منطقة الجنوب.
33. ساهم في حج مجموعة كبيرة من شباب الصم والبكم في محافظة بيشة بعدما سعى في توفير الدعم من مؤسسة خيرية.
34. كان سمحاً مع كل من يقترض منه ووقعت قصص في هذا الموضوع تدل على حبه للخير وسلامة صدره ودماثة أخلاقه.
35. كان محباً للدعوة وخُتم له بذلك فقد خرج من بيشة بعد البرامج الدعوية قاصداً القويعية للدعوة إلى الله تعالى فمات بينهما.
36. ردد كثيراً كلمة التوحيد حتى اختفى صوته أثناء الحادث وشاهدت بعد تغسيله سبابته وقد أشار بها إلى السماء ووجهه جميل ومشرق.
37. من علامات حسن الخاتمة والقبول حضور أعداد كبيرة من الناس في جامع الملك عبدالعزيز للصلاة عليه ودفنه في مقبرة الثليماء.
38. هذه بعض صفحات من حياة الداعية عبدالله الجميع وصدق القائل : لايقاس عمر الإنسان بطول السنين ولكن بعرض الأحداث.
39. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك أخي الغالي أبا ناصر لمحزونون ولانقول إلا مايرضي ربنا.
40. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يثبت أخي الغالي عبدالله الجميع ويغفر له ويرحمه وأن يجعل قراره الفردوس الأعلى.

تفسير سورة القارعة

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( القارعة ( 1 )
ما القارعة ( 2 ) وما أدراك ما القارعة ( 3 ) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( 4 ) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( 5 ) فأما من ثقلت موازينه ( 6 ) فهو في عيشة راضية ( 7 ) وأما من خفت موازينه ( 8 ) فأمه هاوية ( 9 ) وما أدراك ما هيه ( 10 ) نار حامية ( 11 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ( القارعة ) : الساعة التي يقرع قلوب الناس هولها ، وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها ، وذلك صبيحة لا ليل بعدها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( القارعة ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله وحذره عباده .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله ( القارعة ما القارعة ) قال : هي الساعة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( القارعة ما القارعة ) قال : هي الساعة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، قال : سمعت أن القارعة والواقعة والحاقة : القيامة .

وقوله : ( ما القارعة ) يقول تعالى ذكره معظما شأن القيامة والساعة التي يقرع [ ص: 574 ] العباد هولها ؛ أي شيء القارعة ، يعني بذلك : أي شيء الساعة التي يقرع الخلق هولها ؛ أي : ما أعظمها وأفظعها وأهولها .

وقوله : ( وما أدراك ما القارعة ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أشعرك يا محمد أي شيء القارعة .

وقوله : ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) يقول تعالى ذكره : القارعة يوم يكون الناس كالفراش ، وهو الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس ببعوض ولا ذباب ، ويعني بالمبثوث : المفرق .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) قال : هذا شبه شبهه الله ، وكان بعض أهل العربية يقول : معنى ذلك : كغوغاء الجراد ، يركب بعضه بعضا ، كذلك الناس يومئذ ، يجول بعضهم في بعض .

وقوله : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) يقول تعالى ذكره : ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش ; والعهن : هو الألوان من الصوف .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) قال : الصوف المنفوش .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : هو الصوف . وذكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء .

وقوله : ( فأما من ثقلت موازينه ) يقول : فأما من ثقلت موازين حسناته ، يعني بالموازين : الوزن ، والعرب تقول : لك عندي درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك ، ويقولون : داري بميزان دارك ووزن دارك ، يراد : حذاء دارك . قال الشاعر : [ ص: 575 ]


قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه


يعني بقوله : لكل مخاصم ميزانه : كلامه ، وما ينقض عليه حجته . وكان مجاهد يقول : ليس ميزان ، إنما هو مثل ضرب .

حدثنا بذلك أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فهو في عيشة راضية ) يقول : في عيشة قد رضيها في الجنة .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فهو في عيشة راضية ) يعني : في الجنة .

وقوله : ( وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) يقول : وأما من خف وزن حسناته ، فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) وهي النار هي مأواهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فأمه هاوية ) قال : مصيره إلى النار ، هي الهاوية . قال قتادة : هي كلمة عربية ، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، قال : هوت أمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى ، قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين ، فيقولون : روحوا أخاكم ، فإنه كان في غم الدنيا ; قال : ويسألونه ما فعل فلان ؟ فيقول : مات ، أو ما جاءكم ؟ فيقولون : ذهبوا به إلى أمه الهاوية .

حدثني إسماعيل بن سيف العجلي ، قال : ثنا علي بن مسهر ، قال : ثنا إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله ( فأمه هاوية ) قال : يهوون في النار على رءوسهم . [ ص: 576 ]

حدثنا ابن سيف ، قال : ثنا محمد بن سوار ، عن سعيد ، عن قتادة ( فأمه هاوية ) قال : يهوي في النار على رأسه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فأمه هاوية ) قال : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها ، وقرأ : ( ومأواهم النار ) .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( فأمه هاوية ) وهو مثلها ، وإنما جعل النار أمه ، لأنها صارت مأواه ، كما تؤوي المرأة ابنها ، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها بمنزلة أم له .

وقوله : ( وما أدراك ما هيه ) يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أشعرك يا محمد ما الهاوية ، ثم بين ما هي ، فقال : ( نار حامية ) ، يعني بالحامية : التي قد حميت من الوقود عليها .

تفسير سورة المسد

تفسير سورة المسد عدد آياتها 5 
  ( آية 1-5 )
وهي مكية


{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ }
أبو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شديد العداوة [والأذية] للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا فيه دين، ولا حمية للقرابة -قبحه الله- فذمه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة فقال: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } أي: خسرت يداه، وشقى { وَتَبَّ } فلم يربح، { مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ } الذي كان عنده وأطغاه، ولا ما كسبه فلم يرد عنه شيئًا من عذاب الله إذ نزل به، { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ } أي: ستحيط به النار من كل جانب، هو { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } .
وكانت أيضًا شديدة الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشر، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا، قد أعد له في عنقه حبلًا { مِنْ مَسَدٍ } أي: من ليف.
أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلًا من مسد، وعلى كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة.

منهج الرسول في الحفاظ على سمعة الإسلام


من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في القضايا العامة حرصه على سمعة الإسلام، وتنزيهه عن الأقوال والأفعال التي قد تسبب تشويهه أو وصمه بصفات هو منها بريء.
وهذا المنهج النبوي واضحٌ وجليٌّ لكل من تأمل في السيرة العطرة.

والأمثلة على هذا متعددة، ومن النماذج: منهج النبي عليه الصلاة والسلام في احتواء المشكلات داخل المدينة المنورة، وتجاوزه عن بعض أفعال المنافقين والزنادقة الذي يتظاهرون بالإسلام ويعيشون في جنبات المدينة النبوية؛ رغم ما كان يصدر عنهم من مواقف الخيانة العظمى، إلى الحد الذي جعل الصحابة يضيقون ذرعاً بأولئك الأفراد، ويطالبون النبي عليه الصلاة والسلام بقتلهم في أكثر من من مرة، غير أن النبي عليه الصلاة والسلام كان متشبثاً بمنهجية الإغضاء، ويعلل ذلك بقوله: «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»، رواه البخاري ومسلم. وفي واقعة أخرى يحدث جابر بن عبد الله يقول: «لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن بين الناس بالجعرانة قام رجل من بني تميم فقال: عدل يا محمد! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل»، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟ قال: «معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه»، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا وأصحاباً له يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم». رواه أحمد وأصله في صحيح البخاري.

وفي روايات أو مناسبات أخرى عندما كان الصحابة يرون أن أشخاصاً ممن يعيشون في كنف الدولة الإسلامية ارتكبوا أعمالاً شنيعة، مما يطلق عليه اليوم في قوانين الدول «الخيانة العظمى» نحو أوطانهم، ويطالب الصحابة ومنهم كبار وزراء ومستشاري النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، بتنفيذ الحكم الحاسم نحوهم، إلا أنه كان يرد عليهم: «أكره أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه»، وبقوله: «فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمداً يقتل أصحابه».

وتوضيحاً لهذه السياسة النبوية: فإن المجتمع الإنساني آنذاك وهو يشاهد هذا الدين الجديد وهذه الدولة الوليدة على أساسه وتشريعاته فإنهم يرمقون اتجاهات قائدها ويراقبون قراراتها، إلى الحد الذي سبروا معه تاريخ هذا القائد منذ مولده وطبيعة تعاملاته وأخلاقه، بل وتاريخ أجداده، كما جاء في الحوار الشهير بين اثنين من أكبر قادة وساسة ذلك العصر وهما القائد القرشي أبو سفيان والملك الرومي هرقل.

وفي ضوء ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أن الناس من حوله لن يتفهموا سبب الحكم بالإعدام الذي تقضي به الدول نحو من يخونها من رعاياها، فترك ذلك رعايةً لمصلحة أعلى وهي حماية سمعة الرسالة الخاتمة التي كلفه الله بإبلاغها للثقلين.

ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم محافظاً على منهجية حماية سمعة الإسلام، وبخاصة لدى التعامل مع الدول وأهل الملل الأخرى، عملاً بالتوجيهات الربانية، كما في قوله سبحانه: «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ» [الأنفال:59].

ويوضح هذه الآية الكريمة ما رواه سليم بن عامر قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، وفي رواية: فأراد ان يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدر. فنظروا فإذا عمرو بن عبسة رضي الله عنه، فأرسل إليه معاوية فسأله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء»، فرجع معاوية بالناس. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يوصي من يعينهم من القادة والسفراء ومن يتفاوض مع غير المسلمين ويقول لهم: «إذا أرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله»، رواه مسلم.

قال العلماء: الذمة هنا: العهد، ومعنى: تخفروا، أي نقض عهدهم، والمعنى لا تجعلوا العهد منسوباً إلى الله أو إلى نبيه فإنه قد ينقضه من لا يعرف حقه، وينتهك حرمته بعض الأفراد. ولكن يكون العهد باسم القائد حتى يكون مسؤولاً عنه هو.

وعند النظر في الحملات الجائرة لتشويه تراث الأمة وتاريخها والتي يتبناها اليوم أقوام جعلوا هدفهم الأكبر الصد عن دين الإسلام ومنع الناس من تقبله، وسلكوا في سبيل ذلك مسلك التشويه والافتراء، مستغلين أخطاء بعض من ينتسبون للإسلام، فراحوا يضخمونها ويسخرون لها وسائل الإعلام والاتصالات ليؤكدوا للعالم مزاعمهم نحو الإسلام ونحو نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، على غرار ما تابعناه في الفترة الأخيرة من حملات محاولة الإساءة للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، إن ذلك كله ليفرض علينا أهل الإسلام أن نجعل من أولويات التعامل مع غير المسلمين مبدأ (حماية سمعة الإسلام) و(حماية سمعة النبي صلى الله عليه وسلم) وأن نوضح الصورة الحقيقية للإسلام وأن نعرف بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ». [الأنبياء:107]

كلمات في السيرة







السيرة النبوية، لا غنى عنها لفهم القرآن، ولا غنى عنها لفهم الحياة.
ـ السيرة النبوية، هي أدق ما كُتب عن إنسان : أعظمُ ترجمة، وأجملة قصة، وأصدق رواية، وأكرم تجربة، وأمثل أنموذج لدعوات النهضة في كل زمان ومكان .
ـ السيرة تقول لك ـ عمليًا ـ إن مع العسر يسرًا، لا تحزن إن الله معنا، النصر مع الصبر، العاقبة للمتقين، الدائرة على المجرمين، فسيكفيكهم الله، إنهم يمكرون، ويمكر الله ُ، والله خير الماكرين.
ـ حدثنا رجلٌ إسباني قائلاً : "لقد أسلمتُ لما قرأتُ السيرة النبوية".
ـ السيرة تقول: لا تتعجل النصر، فإن الثمرةَ لا تحلولي حتى تستوفي نضجها.
ـ السيرة تقول: إنما الـمَجد لأصحاب الهمم العالية، فلا تزال الهمم العالية تصبو إلى الفوز، حتى تجوز قصبات السبق .
ـ إذا أردت أن تنسف آمالك فسلط عليها اليأس، فهو كفيل بتخريب كل شيء !
ـ سترى في السيرة النبوية كيف تتجسد الحكمة في شخص، وتتحرك الأخلاقُ بين الناس رجالاً .
ـ من الأمثال التي تنطق بها السيرة : كن عضوًا في جماعة الأسود، ولا تكن قائدًا لجماعة النعام .
ـ الإخلاص وهو السر الوحيد وراء خلود الأعمال والتجارب .
ـ السمة الغالبة في مَن آمن وهاجر وجاهد هي التجرد ، والسمة الغالبة في مَن آوى ونصر وأنفق هي الإيثار، وكلاهما ـ أي التجرد والإيثار ـ هما الزراعان اللذان كان يبني بهما رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ـ رأينا في السيرة رجالاً حول الرسول سقطوا وانقلبوا على أعقابهم .. كانت مشكلتهم التي كادت أن تجمع بينهم هي سوء فهمهم للإسلام .
ـ الجهد الذي بذله أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ للإسلام، يفوق الجهد الذي بذلته جماعة الصحابة قاطبةً.
ـ الضائع الهالك من هزمه عدوُه هزيمةً نفسية، أي هزيمة دون قتال !
ـ كثيرًا ما ننسى أن المعركة بين الحق والباطل، معركةٌ بين السماء والأرض !
ـ التائه الخائب من ترك الجماعة إلى الفرد، والحائر البائر من تردد بين الحق والباطل، والغبي الأحمق مَن فكر كثيرًا بين طريق مسدود وآخر ممهدٍ مورود، ولم أجد أضيع من رجل عاش منافحًا عن منهج كاسد، وزعيم فاسد.
ـ حياة الإنسان قصيرة جدًا ، لكنها تطول في ذاكرة البشرية بمقدار ما قدم للبشرية .
ـ إذا أحببت أن تتعلم القيادة فتعلم أولاً الجندية . فلم نر قائدًا ناجحًا إلا ونراه قبلُ كان جنديًَا صالحًا .
ـ مهما قدمنا وبذلنا فنحن عيالٌ على الصحابة، فالعمل هو العمل، ولكن القلب غير القلب، والسعيدُ من جمع بين جنبيه فضائلَهم، وجسدها في سلوكه.
ـ أقلُ كتابٍ في السيرة كفيلٌ بهدم فكرة " العلمانية"، أي فصل الدين عن الدولة، فأنت في السيرة ترى الدينَ والدولةَ هما الإسلامَ بعينه.
ـ " عالمية الإسلام"، " شمولية الإسلام "، " وسطية الإسلام"، "واقعية الإسلام"... كلها دروس بديهية في السيرة النبوية.
ـ محاور السيرة النبوية : سيرة الفرد ثم سيرة الجماعة ثم سيرة الدولة.
ـ الأحداث الكبرى في السيرة؛ أربعةٌ ، لا يعدلها شيء : نزول الوحي، والهجرة، وبدر، وصلح الحديبية.
ـ الفرق بيننا وبين أي جماعة من البشر، أن سيرةَ قائدنا بكل تفاصيلها بين أيدينا، وسوانا لا يملك شيئًا سوى أساطيرَ عن رجل مصلوب ومعبود، أو بقرةٍ يترنح حولها البشر في ركوع وسجود، أو كوكبٍ، أو حجرٍ، أو فيلسوف مجهول.
ـ الذين يزرعون أقل بكثير من الذين يأكلون، غير أن فضل الزارع على الآكل كفضل الشمس على الأرض، فتأملْ فضلَ الصحابة على من سواهم .
ـ حبةُ الحنطة أنفع من حبة التفاح، فهذه من المكملات وتلك من الأساسيات، وهذا هو الفرق بين الدعوة الشاملة التي تنفع الناسَ عامة، والدعوة الناقصة التي ينتفع بها طائفة؛ تلك التي تتزي بزي كاذب، وتركز على الشكل دون المضمون، ولو تعلم هذه الدعوات المختلة أن رائحة التفاح لا تسمن ولا تغني من جوع !
ـ حينما تدور رحى الحرب، ويلوذ المؤمنون بأستار الله؛ فإن النتائج المنطقية غالبًا ما تغيب في مثل هذه الحروب .
ـ إن اللبنة الأولى في مشروع إعادة المجد الإسلامي؛ يتمثل في ضرورة الفهم السليم للإسلام . فلن ينصر الإسلامَ مَن اختل فهمه فيه، ولن ينشر الإسلامَ مَن أخذ ببعض الكتاب وكفر ببعض، بل الناصرون هم الذين يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ، وفهموا الإسلام فهمًا شاملاً، منهجًا للحياة، ودستورًا حاكمًا، وشريعةً قائمة.
ـ النفوس الجبانة هي أكثر ُالنفوسِ المتجرئة على الله . والمترفون لا يقيمون حضارة. وصنفان لا تُجدي معهما أحكامُ الله : المترددون والغافلون. فأحكام الله يجب أن تُأخذ بيدين: يدٌ جادة وثّابة، ويدٌ ذاكرة متدبرة : "خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

اشترك معنا

تحديث الموقع في 2014 شبكة عين الزهور الاسلامية .

خاص بموقع شبكة عين الزهور الاسلامية | | تعريب موقع عين الزهور