بسم الله الرحمن الرحيم
شرف عظيم للعبد عندما يدفعه الإخلاص لله تعالى أن يسلك طريق الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - ويتفيأ بظلال قدوتهم والسير على منهجهم في دعوة الناس للخير للحصول على المقصد الأسمى والمقام الأعلى برضا الرحيم الرحمن - سبحانه وتعالى -. عندما وقفت متأملاً نصوص الكتاب والسنة في فضائل الدعوة إلى الله تعالى تمثل أمامي العمر الحقيقي للداعية عندما يتوارى جسده في التراب ويبدأ نهر الحسنات بالجريان ويصب ذلك كله في الميزان الذي يؤثر فيه مثقال الذرة فتكون الحسنات أنيساً في القبر وبشرى عند الوقوف أمام رب العالمين. إن حياة الدعاة إلى الله تعالى من النعيم الذي ينعم به المؤمن عندما يضع الداعية خده في آخر يومه على وسادته ويختلط التعب والمشقة بنعيم العمل لله تعالى ويقوم من غده ويقطف الخيرات ويحصد الحسنات من جديد تلكم والله السعادة الحقيقة ومن علم سيرة خير البرية - صلى الله عليه وسلم - استقر في قلبه برد اليقين بهذا العمل العظيم. ومن أهم صفات الداعية إلى الله تعالى أن يكون قدوة حسنة في مجتمعه ؛ لأن تأثير الدعوة بالأفعال كتأثير الدعوة بالأقوال , وأن يتحلى بمكارم الأخلاق , وفي هذا السياق أتذكر قصة دائماً أذكرها للاخوة أن أحد المشايخ الفضلاء ممن يعرف بلين الجانب والابتسامة المشرقة - لمن يعرفه ولمن لايعرفه -قابله أحد الشباب المقصرين , فبش الشيخ في وجهه واستقبله أحسن استقبال وأخذ معه أطراف الحديث , فتغيرت أحوال هذا الشاب وأصبح فيما بعد من الدعاة إلى الله تعالى. ويكمن نجاح الداعية إلى الله تعالى في العلم الشرعي الذي به يحسن مايدعو إليه وبالتربية الإيمانية التي تعين الداعية في يومه الدعوي وبأسلوبه وعرضه المناسب الذي يساهم في تحقيق الأهداف التي يحددها , وفي الدرجة الأولى إخلاص العمل لله تعالى ومتابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومحبة الناس وقبولهم للدعاة وغيرهم لايملكهما البشر وإن حاول أحد تغييرها فليس له إلا أن يبوء بالحسرة والإثم , والداعية في الحقيقة لايضره شيء لأنه سائر في طريق العزة ويترقى في منازل الكرامة وإن وجد مايسره فتلك عاجل بشرى المؤمن ويكفيه في كل أحواله أنه يعمل بقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وهذه المقدمة من صيد خاطري دونتها بعدما لهج لساني بالدعاء وغرقت عيناي بالدموع ولم أستطع التعبير عما يجول في خيالي ويلمسه فؤادي بسماعي خبر وفاة أخي وصديقي الداعية عبدالله بن ناصر الجميع - رحمه الله تعالى-. إن وفاة هذا الداعية الشاب أحيا فيَّ وفي غيري أشياء كثيرة فلربما يستغرب البعض من سنه الذي لم يتجاوز التاسعة والعشرين ولكن يزول هذا الاستغراب الطبيعي بمقولة الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى - : (لايقاس عمر الإنسان بطول السنين ولكن بعرض الأحداث). عرفت هذا البطل الهمام صغيراً وكبر في عيني بأفعاله سريعاً مع مرور الأيام والسنين وقد جعل له في أكثر ميادين الخير بصمة واضحة ومن اقترب منه لاحظ الجهد الذي كان يقدمه في مسابقته إلى الخيرات وتوجت تلكم الجهود بأن ختم حياته في الدنيا - بتوفيق الله تعالى - بأن كرر كلمة التوحيد كثيراَ حتى اختفى صوته وسبابته إلى السماء وبإشراقة وجه كل من رآه استبشر خيراً. الصفحات الأخيرة من حياة هذا الداعية المجاهد بدأت بعدما ختم برنامجه الدعوي في محافظة بيشة يوم الثلاثاء الماضي وخرج منها بعد صلاة العشاء قاصداً محافظة القويعية لإقامة برامج دعوية هناك وقدر - سبحانه تعالى - عليهم في الطريق الموصل بين المحافظتين أن تنحرف شاحنة في طريقهم وكلما أراد الابتعاد عنها تبعته الشاحنة , وهو لايزال يرفع صوته بقول : (لا إله إلا الله) حتى اختفى صوته تحتها وقبض الله تعالى روحه وصاحبه الذي معه , وأما صاحبه الثالث فقد كتب الله تعالى له النجاة بأن قفز من السيارة من قوة الضربة وأصيب بكسور وهو الآن في العناية المركزة. انتشر خبر وفاته وأجمع أهله أمرهم بالإتيان به إلى محافظة الخرج ووصل جثمانه إلى مغسلة جامع الملك عبدالعزيز الساعة الواحدة والنصف ليلاَ وقدمت ومعي مجموعة من الشباب للمغسلة وشاركنا في تكفينه وقد رأيته مبتسماً وعلى وجهه النور ورافعاً سبابته إلى السماء وقبلنا جبينه ودعونا له كثيراً وأصواتنا يخالطها البكاء وتركناه وخرجنا من المغسلة ونحن نحمد الله تعالى على قضائه وقدره. وتوافد الناس على المغسلة للسلام عليه من الصباح الباكر إلى قبل صلاة الظهر وازدحم الناس في الجامع وصلى الكثير منهم في الخارج وأغلقت الشوارع المحيطة بالجامع من شدة الزحام وبعد الصلاة عليه تبعه الناس إلى مقبرة الثليماء جنوب محافظة الخرج وجموع الناس تتبعه والتف أكثرهم حول قبره وبعد الفراغ من دفنه وقف أحبابه على قبره للدعاء له وارتفع صوت البكاء وخيم الحزن على الجميع وأقبل بعضهم لعزاء أقاربه وخرج الناس من المقبرة وبقي أخي الغالي الداعية عبدالله الجميع بين يدي رحمة الله تعالى. ورجعت إلى منزلي داعياً الله تعالى له بالمغفرة والرحمة وبدأت استرجع شريط المشاهد التي عشتها مع هذا الصديق الوفي وكتبت بعض صفحات من حياته وجهاده وتركت التفصيل والاستغراق في بعض الأحداث وغردت بها في حسابي على تويتر وبها أختم هذا المقال والحمد لله رب العالمين. 1. يبلغ الداعية عبدالله بن ناصر الجميع من العمر تسعة وعشرين سنة وهو من مواليد قرية السلمية في محافظة الخرج. 2. تخرج من كلية التربية من جامعة الملك سعود بالرياض وعمل مدرساً في محافظة بيشة وهو متزوج وله ابنتان عمر الصغيرة شهران تقريباً. 3. كان إماماً لمسجد خالد القسري بمحافظة الخرج وعمره حينئذ سبعة عشر سنة وتكفل برعاية أخوته بعد وفاة والده أثناء عمله. 4. فيصل أصغر أخوته يناديه بابا لأنه لم يدرك والده ومع انشغاله بالدراسة الجامعية ورعاية أهله ترك إمامة المسجد. 5. مكث في الجامعة خمس سنوات تقريباً وكان يتردد بين الخرج والرياض من أجل رعاية أهله والدعوة إلى الله تعالى. 6. يشهد له الشباب بنشاطه في الدعوة وجهوده في أنشطة الجامعة وحب الأساتذة له والاحترام المتبادل بينه وبين الطلاب. 7. حدثني عندما كان في أمريكا مع بعثة طلاب الجامعة بانبهار بعض الناس بطوله الفارع وتسارع أكثرهم في التصوير معه. 8. أنشأ في أيام دراسته الجامعية الجولات الدعوية في الخرج التي تقام كل يوم أربعاء وتنقل في أماكن تجمعات الشباب. 9. له جهود رائعة في الجولات الدعوية بدعم المحسنين وبشائر بقوافل التائبين في كل لقاء بإشرافه رحمه الله تعالى. 10. تولى المكتب التعاوني الإشراف على الجولات الدعوية بعد نجاحات رائعة منذ عشر سنوات ومستمرة ولله الحمد والفضل. 11. أنشأ كذلك في أيام دراسته الجامعية اللقاءات الرمضانية الدعوية والرياضية المقامة بين الاستراحات الشبابية. 12. نهاية البرنامج الرمضاني المدعوم من المحسنين وتلقى المحاضرات وتوزع الجوائز ويذهبون ببعض الشباب لأداء العمرة. 13. يقدمون برامج دعوية في الطريق إلى مكة مما تسبب في هداية كثير من الشباب في الرحلة ثم يعودون للمشاركة في إقامة البرامج الجديدة. 14. تولى المكتب التعاوني الإشراف على اللقاءات الرمضانية بعد نجاحات رائعة منذ عشر سنوات ومستمرة ولله الحمد والفضل. 15. الكثير من الشباب الذين يقيمون البرامج الدعوية في الخرج الآن هم من الذين استقاموا على يديه رحمه الله تعالى. 16. أنشأ كذلك لقاءً دعوياً للصم والبكم وسعى في إيجاد بيئة مناسبة لهم وبعدها تولى الإشراف على البرامج الجهة المختصة. 17. قبل وفاته بسنتين أقام نادي شبابيات الصيفي الذي يقام في كل إجازة وفيه عدد من البرامج العلمية والدعوية والرياضية. 18. في نهاية برنامج النادي الصيفي يُكرَّم الفائزون في البرامج ويذهبون بمن قام بالبرنامج برحلة إلى الطائف وأبها. 19. نادي شبابيات تحت إشراف مركز الحي بوسط السيح التابع لإدارة التعليم وبرامجه مستمرة ولله الحمد والفضل. 20. جهوده الدعوية في السجون واضحة ويعتبر مرشداً دينياً في سجون منطقة الرياض وبقية المناطق معروف عندهم بذلك. 21. ينسق مع المشايخ في السجن العام بالخرج للدعوة وإقامة الدورات العلمية ويحرص على تلبية طلبات السجناء ويشفع لهم. 22. السجن العام بالخرج تغير للأفضل وتحسنت أوضاع السجناء والإدارة متعاونة جداً معه وأثمرت تلك الجهود المباركة. 23. لايترك الفرصة تفوته بأن يبادر أو يوافق لمن ينسق معه في إلقاء الكلمات الوعظية في المساجد والمدارس. 24. اتصل بي ليبشرني بصدور التصريح الرسمي من الوزارة في إلقاء المحاضرات وكانت خطوة في إلقاء المحاضرات في الجوامع. 25. أسلوبه الدعوي كان مميزاً ولهذا حرصت المدارس والأندية الصيفية في التنسيق معه ولايتردد في الموافقة وتلبية الدعوة. 26. يشهد له تواصله الاجتماعي بحضور مناسبات الأقارب وتلبية دعوة الأفراح وحضور العزاء وعيادة المرضى في أي مكان. 27. سافرت معه للدعوة إلى الله تعالى في السعودية فوجدته شعلة من النشاط وقريباً من الشباب ومحترماً للعلماء وكبار السن. 28. يحمل صفات الداعية الناجح وفي مقدمتها الهمة العالية والاستشارة والتخطيط للوصول للأهداف بأسهل طريقة. 29. عين مدرساً في محافظة بيشة وانتقلت مشاريعه معه ليعيدها هناك مع إشرافه على الأعمال الدعوية في الخرج بالجوال. 30. مشاريعه الدعوية في محافظة بيشة وماجاورها تحدث عن بعضها أخي الداعية غرم البيشي عبر تغريدات في حسابه على تويتر. 31. حج بأمه حجة الإسلام الموسم الماضي في إحدى الحملات واستغل الوقت في زيارة الشباب والدعوة وإلقاء الكلمات. 32. اقترض مبلغاً من المال ليكون سبباً في حج خمسة أشخاص لايعرفهم وقد قابلهم بعد كلمة ألقاها في مسجد بإحدى قرى منطقة الجنوب. 33. ساهم في حج مجموعة كبيرة من شباب الصم والبكم في محافظة بيشة بعدما سعى في توفير الدعم من مؤسسة خيرية. 34. كان سمحاً مع كل من يقترض منه ووقعت قصص في هذا الموضوع تدل على حبه للخير وسلامة صدره ودماثة أخلاقه. 35. كان محباً للدعوة وخُتم له بذلك فقد خرج من بيشة بعد البرامج الدعوية قاصداً القويعية للدعوة إلى الله تعالى فمات بينهما. 36. ردد كثيراً كلمة التوحيد حتى اختفى صوته أثناء الحادث وشاهدت بعد تغسيله سبابته وقد أشار بها إلى السماء ووجهه جميل ومشرق. 37. من علامات حسن الخاتمة والقبول حضور أعداد كبيرة من الناس في جامع الملك عبدالعزيز للصلاة عليه ودفنه في مقبرة الثليماء. 38. هذه بعض صفحات من حياة الداعية عبدالله الجميع وصدق القائل : لايقاس عمر الإنسان بطول السنين ولكن بعرض الأحداث. 39. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك أخي الغالي أبا ناصر لمحزونون ولانقول إلا مايرضي ربنا. 40. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يثبت أخي الغالي عبدالله الجميع ويغفر له ويرحمه وأن يجعل قراره الفردوس الأعلى. |