المسلمون وفتح الأندلس
عندما حصل موسى بن نصير على الإذن بفتح الأندلس من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، أرسل حملة حربية صغيرة مكونة من مائة فارس وأربعمائة راجل بقيادة طريف بن مالك في أربع سفن سنة (91هـ)، فنزلت في المكان الذي يحمل اسم جزيرة طريف، وكان هدف الحملة معرفة طبيعة البلاد، ومعرفة أحسن الأماكن التي يمكن إنزال الجيش فيها؛ ولذلك نجد الحملة الكبرى بقيادة طارق بن زياد المولى البربري لموسى بن نصير ونائبه لا تنزل في جزيرة طريف، وإنما تنزل في مكان أصبح يُعرف بجبل طارق؛ مما يدل على أنهم وجدوا ذلك المكان أنسب.هُو طارق بن زياد، أسلم على يد موسى بن نصير وحسن إسلامه، فتعلم بعد حفظ كتاب الله علوم القرآن والفقه في الدين، وكان فارسًا مغوارًا، وقائدًا محنكًا، يقود الجيش تحت إمرة موسى بن نصير، حتى وصل المجاهدون بقيادته إلى طنجة في أقصى بلاد المغرب (مراكش)، فولاه موسى بن نصير إمرة طنجة، فظل يجمع الجيوش ويتتبع الأخبار، ويرسل العيون، حتى وجد الفرصة لدخول الأندلس، فأشار على موسى بن نصير بفتحها.
وقد توجه طارق والمسلمون معه بعدما تقرر فتح الأندلس بصورة نهائية... إلى جبل طارق في شعبان سنة (92هـ) بعد أن قضوا على المقاومة؛ التي تصدت لهم، وفتحوا حصن (قرطاجنة)، الذي كان في سفح هذا الجبل، وبدأ طارق ببسط سلطانه على الأماكن المجاورة لجبل طارق. وهنا أخبر حكام الإقليم لذريق (الحاكم القوطي)، الذي كان مشغولاً بإخماد ثورة في الشمال بما يحدث في الجنوب، فأدرك مدى الخطر الذي يهدد ملكه بالزوال، فأسرع وأرسل جيشًا إلى طارق كي يتصدى له، ويوقف تقدمه.. وكانت وحدات الجيش تصل تباعًا في فرق كبيرة، فكان طارق يلتقي بها، ويقضي عليها، وقد استطاع الحاكم القوطي لذريق أن يجمع جيشًا يقترب من مائة ألف جندي.
وفي الثامن والعشرين من رمضان سنة (92هـ) في سهل (الفلنتيرة)، بدأت المعركة الفاصلة بين المسلمين والقوط، واستمرت ثمانية أيام قاسية، خاضها المسلمون بعددهم القليل المتماسك المؤمن بالنصر أو الشهادة، والذي لا يزيد على اثني عشر ألفًا[1].
كان طارق بن زياد البطل الحقيقي الفاتح للأندلس، فضلاً عن أنه كان من أبرز قادة الفتح الإسلامي في شمال إفريقية بصفة عامة، وكان واليًا (لموسى بن نصير) على طنجة، وقد اختلف في أصله، فهناك فريق من المؤرخين يرى: أنه مولى لموسى بن نصير، بينما ينكر هذا الولاء بعضهم ويقول: إنه من قبيلة (الصَدَف)[2]، وكان مولًى لها.
ويرى فريق آخر أن طارق بن زياد مغربي من قبيلة (نفزة) البربرية، وهذا هو الرأي المعوَّل عليه في نظر المؤرخين، ويرى بعضهم أن جيشه المكوَّن من اثني عشر ألف جندي، والذي كان يضم تسعة آلاف من البربر يعدُّ من الأدلة على ولاء البربر له وولائه لهم، فهو منهم وهم منه.
وأيًّا كان الأمر، فالبربر في النهاية من خيرة العرب، وطارق بن زياد من خيرة أبطال الإسلام.
تفاصيل معركة شذونة (وادي لكة)
اختلف البحث التاريخي في تحديد المكان والنهر الذي يحمل اسم وادي (لكة) أو (وادي بكة)، والذي تورده الرواية العربية، فذكر البعض أنه هو نهر "جواداليتي" (وادي لكة)، الذي يصب في خليج قادس على مقربة من مدينة (شريش)، وأن اللقاء حدث على ضفته الجنوبية شمالي مدينة شذونة. وذكر البعض الآخر، وهي الرواية الراجحة، أن اللقاء قد حدث جنوب بحيرة "خَندة" الصغيرة المتصلة بنهر بارباتي الصغير، الذي يصب في المحيط على مقربة من رأس "طرف الغاز".ويرى الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه (دولة الإسلام في الأندلس، العصر الأول - القسم الأول)، أن الرواية العربية تقصد هذا النهر بما تورده من اسم وادي (لكة) أو وادي (بكة) ففي هذا السهل الصغير، الذي تحده من الجنوب سلسلة من التلال العالية، وعلى ضفاف بحيرة خندة، ونهر"بارباتي" تقابل المسلمون والقوط في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة (92هـ/ 711م)، وفرق النهر بين الجيشين مدى أيام ثلاثة شغلت بالمعارك البسيطة، وفي اليوم الرابع التحم الجيشان ونشبت بينهما معركة عامة.
واستمرت المعركة بين القوى النصرانية الضخمة، وبين القوة المسلمة المتواضعة نحو أربعة أيام، ولكن الجيش القوطي كان رغم كثرته مختل النظام منحل العُرا.
وكانت الخيانة -كما يقول الأستاذ عنان- تمزق جيش القوط شر ممزق، واستمال يوليان والأسقف أوباس -وهما في صف المسلمين- كثيرًا من جند القوط، وبثا بدعايتهما في الصفوف الموالية للردريك (لذريق) كثيرًا من عوامل الشقاق والتفرق، فأخذ كل أمير يسعى في سلامة نفسه، وتمكن الجيش الإسلامي -على ضآلة عدده، وبإيمانه وإخلاصه وثباته وجلده واتحاد كلمته- من جيش القوط، فلم يأت اليوم السابع من اللقاء حتى تم النصر لطارق وجنده، وهزم القوط شر هزيمة، وشتتوا ألوفًا في كل صوب.
وقد تعقب طارق فلول الجيش القوطي المنهزم، وسار طارق بأكثر أفراد جيشه فاتحًا بقية البلاد، ولم يلق مقاومة تذكر في مسيرته نحو الشمال، وفي الطريق إلى طليطلة على نهر (التاجو) بعث بحملات أخرى لفتح المدن، فأرسل مغيثًا الرومي إلى قرطبة في سبعمائة فارس، فاستولى عليها صلحًا، كما استولى على غرناطة، ومالقة، والبيرة وغيرها... وأخيرًا وصل إلى مدينة طليطلة، ففر منها أهلها نحو الشمال عندما علموا بقدومه، ولم يبق سوى قليل من السكان، فاستولى طارق عليها، وترك لأهلها كنائسهم، وأحبارهم ورهبانهم، وحرية إقامة شعائرهم، كما هو شأن الإسلام في كل فتوحاته.
خطبة طارق
ترد في بعض الكتب قصة خطبة طارق الملقاة قبل المعركة، ونحن نعتقد أن مضمونها صحيح، لكن صياغتها تعرضت لزيادات كثيرة... وهذا هو نص الخطبة التي نسبت إلى القائد البربري العظيم المسلم (طارق بن زياد):"أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم -والله- إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيوشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرًا، ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب على رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم، بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة؛ وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أحذركم أمرًا أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص متاعًا فيها للنفوس، أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي (...). وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانًا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارًا وأختانًا؛ ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه، ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكرًا في الدارين.
أيها الناس، ما فعلت من شيء فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، وإني عامد إلى طاغيتهم؛ بحيث لا أنهيه حتى أخالطه، وأمثل دونه، فإن قتلت فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وتولوا الدبر لعدوكم فتبدوا بين قتيل وأسير. وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من الكرامة، والراحة من المهنة والذلة، وما قد أحل لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن تفعلوا -والله معكم ومفيدكم- تبوءوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غدًا بين من عرفكم من المسلمين، وهأنذا حامل حتى أغشاه، فاحملوا بحملتي".
وكما قلنا: فإن مضمون الخطبة وحدوثها مقبولان، أما هذه الصياغة فيدور حولها شك كبير!!
طارق.. وأسطورة إحراق السفن
لم يرد أي ذكر -ولا أدنى إشارة- حول قصة إحراق السفن لدى ابن القوطية، الذي يعتبر مصدرًا من المصادر الأساسية في فتح الأندلس.أما صاحب (أخبار مجموعة) الذي يعدّ أيضًا من أوثق المصادر في تاريخ الفتح الإسلامي للأندلس، والمنسوب إلى القرن الرابع الهجري، فهو من هؤلاء الذين لم يوردوا أي ذكر لحادثة إحراق السفن هذه، على الرغم من أن (أخبار مجموعة) من أقدم الكتب -بعد جيل ابن عبد الحكم وابن حبيب- في التأريخ لفتح الأندلس.
إن هذين المصدرين -تاريخ ابن القوطية، وأخبار مجموعة- هما أقدم المصادر الأندلسية التي بين أيدينا، وهما يتميزان على المصادر السابقة -والتي نعرف منها "فتوح مصر والمغرب والأندلس" لابن عبد الحكم، و"مبتدأ خلق الدنيا" لابن حبيب- بأنهما مصدران ينتميان إلى المدرسة الأندلسية، بل هما الاستهلال للكتابة التاريخية الأندلسية، بينما كان ابن عبد الحكم وابن حبيب ينتميان إلى المدرسة المصرية، التي سبقت في كتابة تاريخ الأندلس.
وليس من المعقول -كما يقول الدكتور محمود مكي- أن يخفى هذا الخبر المهم على كل المؤرخين السابقين، فلا يعرفه إلا الإدريسي (أبو عبد الله محمد) الذي توفي سنة (560هـ)، وألف كتابه "نزهة المشتاق" سنة (548هـ)، ومعاصروه أبو مروان عبد الملك بن الكردبوس، الذي لم تُعرف سنة وفاته، على خلاف في أيهما سبق الآخر، وأخذ عنه، وهو خلاف لا طائل وراءه فهما متعاصران، وإن كنا نميل إلى سبق الإدريسي؛ لأنه أكثر تفصيلاً، وعنه أخذ الحميري محمد بن عبد الله صاحب "الروض المعطار" وهو الثالث، الذي تبعهما في ترديد هذه الرواية. كما أن من المرجح أن يكون ابن الكردبوس قد توفي في نهاية القرن السادس الهجري، ويكون ثمة احتمال بسبق الإدريسي عنه في الزمان حتى وإن تعاصرا.
وتعتبر هذه النصوص الثلاثة التي وردت عند الشريف الإدريسي والحميري -الناقل عن الإدريسي- وابن الكردبوس، هي الأصل الذي اعتمدت عليه كل المصادر التاريخية، التي أشارت إلى قصة الإحراق.
ولا أثر للقصة -كما يثبت رصدنا هذا الذي حاولنا أن يصل إلى درجة الحصر- في بقية المصادر الأندلسية الأصلية، سواء تلك التي سبقت هذه المصادر، أو التي عاصرتها في القرن السادس، أو التي لحقتها حتى نهاية القرن الثامن الهجري.
وإلى جانب رفض التاريخ لقصة أو أسطورة إحراق طارق السفن، نضيف أن الشريعة -أيضًا- لا تقبلها، بل تعدها نوعًا من الانتحار غير المباشر. وعلى هذا الأساس فإن لنا أن نتساءل: كيف سكت التابعون على إحراق طارق للسفن؟ وهل يعني هذا مشروعية هذا العمل من الناحية الإسلامية؟ وفي عصر كعصر التابعين ولما ينته القرن الأول الهجري: هل تسمح هذه البيئة الإسلامية بإحراق السفن دون معارضة، ودون احتجاج من الساسة، أو الفقهاء، أو المفكرين، أو الشعراء؟
ومن زاوية أخرى -شرعية أيضًا- هل يجوز في الإسلام مبدأ المغامرات الانتحارية؟ لقد انسحب المسلمون بقيادة خالد بن الوليد من موقعة (مؤتة) بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، حين أدرك خالد ومعظم الجيش أن المعركة انتحارية إزاء هذا الفارق في العدد بين جيش المسلمين وجيش الروم.
وقد كان هناك مسلمون فدائيون يطلبون الاستمرار في القتال، ومع ذلك آثر الجيش الانسحاب بقيادة خالد بن الوليد، وسماهم الرسول (الكُرَّار)؛ ردًّا على من سخروا منهم في المدينة وسموهم (الفُرَّار).
أليس هذا السلوك النبوي تشريعًا إسلاميًّا يُحَرِّم المغامرات الانتحارية، ويُجيزُ الانسحاب في حالة وجود مفاجآت تجعل المعركة إبادة للمسلمين؟
ومن جانب آخر نتساءل: هل هذه الخسارة المالية التي لا جدوى كبيرة وراءها في عصرٍ يصعب فيه صناعة السفن، والتي يمكن أن توجد طرق بديلة عنها، هل هي جائزة شرعًا؟
إن كل هذه الجوانب، سواء تلك التي تتصل بالتضحية بالبشر (اثني عشر ألف جندي وسبعمائة تقريبًا) أم بالسفن، تجعل من إقدام طارق على هذا الإحراق عملاً مخلاًّ بالشريعة، وهو ما لا يمكن للتابعين -بشكل يشبه التواطؤ- أن يسكتوا عليه، أو على الأقل أن لا يظهر أي خلاف فقهي حوله... لكن هذا السكوت يعني أنه لم تكن هناك قضية من هذا القبيل، ولم يثر بالتالي أي خلاف؛ لأنه لا يمكن إثارة أي خلاف حول قضية لم تحدث فعلاً، وهو ما نميل إليه بالنسبة لتابعي صالحٍ مثل طارق بن زياد، وبالنسبة لمن معه من التابعين .
نهاية موسى بن نصير وطارق بن زياد
عندما بلغت موسى بن نصير أخبار الانتصارات التي حققها طارق، أراد أن يكون له سهم في شرف هذه الفتوحات، فسار من أعماق إفريقيا على رأس جيش عرمرم يتكون من العرب والبربر.وقد سار موسى في اتجاه آخر غير الذي سار إليه طارق بن زياد، فاحتل مدريد وسرقسطة وغيرهما من المدن، وبعد ذلك سار على رأس قوة صغيرة تتكون من خيرة رجاله وابتعد عن جيشه الرئيسي، ولم يكن هو ورفقاؤه يحملون معهم سوى أسلحتهم. وأما بقية الجيش، فقد كان فرسانه يمتطون جياد جيش القوط المنهزم، ولم يكن الواحد منهم يحمل سوى كيس صغير من الزاد، وأما الأثقال فكانت محمولة على ظهر البغال.
ويزعم بعض المؤرخين -من غير الثقات- أن موسى بن نصير كان ينظر بعين الحسد والغيرة إلى مولاه طارق منذ المراحل الأولى من فتح الأندلس، وقد كان يريد أن يستولي على حصة الأسد من الغنائم التي حصل عليها جيش طارق، بعدما يدفع نصيبًا إلى بيت المال، وأما طارق فقد كان يريد على العكس من ذلك؛ دفع الخمس الذي ينص عليه القرآن إلى بيت المال، وتوزيع ما بقي من الغنائم على الجند. وقد بلغ النزاع بين القائدين درجة رأى معها الخليفة استدعاءهما إلى دمشق ليحسم الخلاف بنفسه[3].
وقبل أن يصل موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق، ويتم الفصل في النزاع بينهما مات الوليد بن عبد الملك سنة (96هـ/ 715م).
وقد تعرض موسى بن نصير لبعض المضايقات من الخليفة سليمان بن عبد الملك، لكنه سرعان ما ندم، وأخذه معه إلى الحج. أما طارق بن زياد فقد آثر أن يعيش بعيدًا عن الأضواء، يعبد الله بعيدًا عن مسرح الشهرة وضجيج السياسة.
من إنسانيات طارق بن زياد
لقد ارتضى طارق دائمًا أن يكون الرجل الثاني بعد موسى بن نصير، ولم تظهر منه أي علامة صراع من أجل الدنيا، وكان بربريًّا عربيًّا مسلمًا مثاليًّا.وقد تجلت إنسانيته في كثير من مواقفه في فتح الأندلس، فقد كان وفيًّا لكل من وقف معه، ولم ينكث عهده أبدًا، وكان له فضل لا ينسى على اليهود؛ فقد كان القوط قد أصدروا أمرًا بتنصير، أو تعميد كل أبناء اليهود الذين يصلون إلى سن السابعة، كما أصدروا أمرًا بمصادرة أملاك اليهود بعد اكتشافهم لمؤامرة يهودية.
ولهذا كان فتح طارق للأندلس إنقاذًا لليهود، كما كان إنقاذًا لجوليان (حاكم سبتة) المغربية، الذي كان على خلاف مع القوط، وكانوا يتربصون به الدوائر، فوجد عند المسلمين الأمن والأمان.
وقد بلغ من رحمته -جزاه الله خيرًا- أنه أعاد للأمراء أملاكهم التي كانت لهم، وهي التي سميت بصفايا الملوك.
كما أنه كان صادقًا في عهود الأمان التي أعطاها لبعض المدن، حتى ولو كان أهل هذه المدن قد حصلوا عليها بنوع من الحيلة، فلم ينكث عهده معهم مع ذلك، اعتمادًا على أن في الحرب من الخدعة ما تقرُّه كل القوانين.
فرحم الله طارق بن زياد (بطل معركة شذونة) التي استمرت أسبوعًا، وبقيت بعدها إسبانيا تحت حكم المسلمين أكثر من ثمانية قرون