مصنف ضمن:

 جنرالات الاحتلال إذ يتمنون اختفاء غزة..

 في الوعي السياسي الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، لا نقرأ سوى الخيبات والتمنيات بأن تختفي غزة ويختفي أهلها عن وجه الأرض، غير أن حسابات الحقل لا تأتي على قدر حسابات البيدر لديهم، فغزة باقية، وأهلها باقون، والصراع هناك مستمر مفتوح على أوسع نطاق، فتارة حرب صغيرة، وطورا هدنة مؤقتة، وتارة غارات خاطفة، وطوراً اغتيالات موضعية، وتارة ثالثة حرب إسرائيلية موسعة على نمط "الرصاص المصبوب"، وطوراً اجتياحات حدودية وآليات تخريب وتدمير، غير أن الثابت في المشهد الإسرائيلي الفلسطيني في غزة، أن حروب الاحتلال هناك، لا ولن تتوقف وفق مختلف المؤشرات، طالما هناك شعب وإرادة ومطالب وطنية سياسية بالاستقلال والسيادة والدولة وحق العودة.

عجزت الآلة الحربية الإسرائيلية عن إخضاع غزة، على مدى سنوات احتلالها، كما عجزت عن هضمها استيطانياً، لذلك وقعت القيادات الإسرائيلية في حالة ارتباك جمدت الدماء في عروقهم، فجن جنونهم، ووصل الغضب لديهم إلى أن يطالب ليبرمانهم العنصري بـ"إلقاء قنبلة نووية على غزة للتخلص منها مرة واحدة وإلى الأبد"، ولم يكن ليبرمان متفردا في مثل هذه الرغبة النازية، فكل قادة الكيان خططوا وبيتوا ونفذوا الحروب والمحارق، التي باءت جميعها بالفشل الإسرائيلي من جهة، وبتفوق الإرادة الفلسطينية الصامدة المقاومة من جهة ثانية.

تمنوا ويتمنون اختفاء غزة والتخلص منها، فاعترف شارون وجنرالات الاحتلال بهذه الحقيقة الكبيرة الصارخة رغما عن أنوفهم، فلولا الانتفاضة والضربات المؤلمة للمقاومة، ولولا نجاح أهل القطاع من أقصاه إلى أقصاه بتحويل مشروع الاحتلال إلى مشروع خاسر بالكامل، لما طأطأ شارون رأسه معترفا بصورة غير مباشرة بأن "مشروع الاستيطان فشل في غزة، وأنه لا أمل في أن يتحول اليهود إلى غالبية في تلك المنطقة"، فزعم شارون في لقاء أجرته معه صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: "أن غزة ليست واردة في أية خطة إسرائيلية ولم نخطط أبدا للبقاء فيها".

وكان ديفيد بن غوريون مؤسس دولتهم يخشى من اجتياح القطاع عام 1948، بينما تمنى اسحق رابين أن يستيقظ ذات صباح ليرى "غزة وقد ابتلعها البحر"، "فقطاع غزة يشكل كابوساً لـ"لإسرائيليين"، يصل إلى حد أنهم يقولون بالعبرية "ليخ لغزة" (أي اذهب إلى غزة) عندما يريدون القول "اذهب إلى الجحيم".

وبن غوريون الذي رفض غزو غزة خلال الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى أطلق كذلك فكرة "نقل الإشراف على قطاع غزة من مصر إلى الأردن"، لكن هذه الخطة لم يكتب لها النجاح..!
.
ويقول الباحث الإسرائيلي عكيفا الدار: "الوحيد الذي كان يرفض التخلي عن القطاع هو رئيس الوزراء مناحيم بيغن (1977-1983) الذي لم يدرك أن مسألة اللاجئين ستتحول كابوساً لـ"إسرائيل"، رافضاً التخلي عن القطاع لمصر، بغية إقامة مستوطنات جديدة فيها".

ترتبك القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية اليوم كذلك، في كيفية التعاطي مع غزة، ففي الذاكرة والحسابات لديهم أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى اندلعت في كانون الأول 1987 في مخيم جباليا للاجئين، وبعد شهر على اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000، بدأ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه "إسرائيل"، ورئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق الجنرال موشيه يعلون أعلن:
"إن حربنا مع الفلسطينيين صعبة ومعقدة وليس فيها ضربة قاضية".
والجنرال"عيبال جلعادي" أحد الآباء المؤسسين لـخطة "فك الارتباط" رئيس وحدة التخطيط الاستراتيجي في شعبة التخطيط في الأركان العسكرية الإسرائيلية، اعترف في لقاء صريح له مع صحيفة معاريف وبمنتهى الوضوح قائلاً:

"رغم كل القدرات الإسرائيلية والأفضلية العسكرية على الفلسطينيين بكل المقاييس والقدرات الاقتصادية والسياسية والدولية، رغم كل ذلك لم نتمكن من إخضاع الفلسطينيين"
وكشف "جلعاد" النقاب عن "أن شارون كان اقترح الانسحاب من غزة عام 1988 – في أعقاب الانتفاضة الأولى – ثم عاد وطرح الفكرة نفسها عام 1992- في أعقاب تفاقم الوضع الإسرائيلي في كل المجالات – وأخيراً رأى شارون – في أعقاب الانتفاضة الثانية/2000 – أن الوقت قد حان للانسحاب من غزة"، وكذلك مؤيدو "فك الارتباط" يعترفون بدورهم "أن للمقاومة الفلسطينية تأثيرا كبيرا على اتخاذ القرار بالانسحاب وإخلاء المستوطنات بينما يقول معارضو الخطة:
"إن خطة شارون هي استسلام للإرهاب – الانتفاضة والمقاومة"، وفي الحالتين الدلالات واحدة، هي الهزيمة الإسرائيلية في غزة.

الكاتب الإسرائيلي المعروف "عوزي بنزيمان" يكشف هذه المعطيات والاعترافات الإسرائيلية بفعل صمود ومقاومة أهل غزة في مقالة نشرتها صحيفة هآرتس تحت عنوان "نعتذر عن الهزيمة" قائلاً:
"إن الجولة الأخيرة في الصراع – المواجهات – كونت الوعي الفلسطيني بفكرة الانتصار، ودفعت الإسرائيليين إلى إدراك قصور قوتهم ومحدوديتها، وبكلمات أخرى: "للانتفاضة الفلسطينية المسلحة تأثير حقيقي على قرار الانسحاب، وبينما يصر القادة الإسرائيليون على الادعاء بأن "إسرائيل" قد انتصرت على الفلسطينيين، إلا أن الحقائق تشير إلى عكس ذلك، فكل المساحيق لن تغطي ندوب الواقع: فحرب العصابات الفلسطينية دفعت "إسرائيل" إلى جر ذيولها من كل قطاع غزة، والجيش الإسرائيلي العظيم وباقي الأذرع الأمنية المتطورة، لم ينجحوا في تركيع الانتفاضة، وقد توصلت إسرائيل إلى هذه النتيجة مؤخراً".

ستبقى غزة شوكة قوية في حلوقهم.. وسيبقى شعب غزة قوياً صامداً.. وسيبقى جنرالات الاحتلال يتمنون اختفاء غزة، أو أن يستيقظوا ذات صباح ليروا البحر وقد ابتلعها....!.

اشترك معنا

تحديث الموقع في 2014 شبكة عين الزهور الاسلامية .

خاص بموقع شبكة عين الزهور الاسلامية | | تعريب موقع عين الزهور